قوله تعالى: {وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم 36 فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم 37 أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين 38 وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون 39 إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون 40}
  وتدل على عظيم الحسرات يوم القيامة وعظم التأسف، ولا محنة أعظم من ذلك؛ لأنه لا شيء يحترز منه العقلاء إلا وهو جامع في الجحيم: من عذاب مؤلم، ثم دوامها، ثم خلوصها من شائب يخففها، ثم مقارنة الاستخفاف، ثم الإياس من النجاة ببيع أو شفاعة أو تفاد مع ما فاتهم من عظيم الثواب، فأي حسرة أعظم من هذا، إذا صور العاقل ذلك في نفسه لا يعمل إلا بذلك.
  وتدل على أن الوعد والوعيد كائن لا محالة؛ لذلك قال: «قضي» ولا تعلق للمشبهة بقوله: «إلينا يرجعون»؛ لأن المعنى إلى حكمه، وقد دل الدليل على أنه لا يجوز عليه المكان.
  ويدل قوله: «فاعبدوه» أن العبادة فعل العبد، وقوله: «فاختلف» أن الاختلاف فعلُهم، وقوله: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ» أن الكفر فعلهم، وكذلك قوله: «في ضلال» أن الضلال فعلُهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.
  ومن أدل الدليل حسرتهم؛ إذ لو كان أفعالهم خَلْقاً لله تعالى على أي شيء يتحسرون ولا فعل لهم؟! تعالى اللَّه عن ذلك.