التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا 56 ورفعناه مكانا عليا 57 أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا 58 فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 59 إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا 60 جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا 61}

صفحة 4583 - الجزء 6

  وذكر علي بن موسى القمي أنها تدل على وجوب السجدة على المستمع كما تلزم على القارئ.

  وذكر القاضي أنها لا تدل على وجوب السجدة؛ لأن هذا الوصف شامل لكل آيات اللَّه، ولأنه قرن السجود بالبكاء، دل أنه حكى طريقة الأنبياء في الخضوع ليقتدى بهم.

  وتدل على عظيم حال الصلاة لذلك خصها بالذكر.

  وتدل على أن التوبة تزيل العقاب.

  وتدل على أن مجرد التوبة لا يكفي ما لم ينضم إليه العمل الصالح خلاف قول المرجئة.

  وتدل على أن الإيمان والصلاة وخلافه فِعْلُ العبد خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  ويدل قوله: {وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} على أنه لا يعاقب أحداً بغير ذنب ولا يمنع أحداً ثواب عمل؛ لأن كل واحد من ذلك كالآخر في أنه يكون ظلماً، وقد اختلفوا فيه على قولين:

  منهم من حمله على أنه يوفر اللَّه عليهم جزاء لكل أعمالهم، وزعم في التائب أن أعماله في حال فسقه لا تسقط بل يعود ثوابها، وهو مذهب أبي القاسم.

  ومنهم من قال: إنه يوفر عليه المستحق، ويزعم أن التائب لا يعود عليه ثواب طاعاته في حال الفسق وأنها يستحق ثواب التوبة والأعمال بعده، وهو قول أبي علي، فأما أبو هاشم فعلى القولين يصح مذهبه؛ لأنه عنده لا يبطل شيء من ذلك، فإما أن يثاب عليه أو ينقص من عقابه؛ لأنه لا يقول بالإحباط وإنما يقول بالموازنة، ووافق أبا علي في أن ثوابه لا يعود.