التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}

صفحة 627 - الجزء 1

  ويقال: ما الذي اقتضى ذكر هذا، وكيف يتصل بما قبله؟ وهل هو جواب أم لا؟

  قلنا: فيه أقوال: قيل: إنه جواب لما سألوه عن صلاتهم إلى بيت المقدس عن ابن عباس وقتادة، وقيل: لما ذكر ما عليهم من المشقة في التحويل عقبه بذكر ما لهم عنده من المثوبة بذلك، ولأنه لا يضيع ما عملوه، عن الحسن، وقيل: لما ذكر إنعامه عليهم بالتوجه إلى بيت المقدس ذكر سببه، وهو إيمانهم بما أمروا به أولاً، وتقديره:

  وما كان اللَّه ليضيع إيمانكم، يعني الذي استحققتم به تبليغ محبتكم بالتوجه إلى الكعبة، عن أبي القاسم «إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» رؤوف بهم لا يضيع عملهم عنده «رَحِيمٌ» بأن يوفر عليهم ما استحقوه من الجزاء.

  · الأحكام: الآية تدل على أشياء: منها: أن الإجماع حجة لقوله: «وَسَطًا» أي عدلاً، فإذا عدلهم اللَّه تعالى ليشهدوا لم يجز أن تكون شهادتهم مردودة، عن أبي علي وأبي القاسم وجماعة، وقوله: «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» أي حجة، فتدل على كون إجماعهم حجة أيضًا من هذا الوجه.

  وتدل على فساد قول المرجئة؛ لأنهم اتفقوا على أن المراد بالإيمان الصلاة، فدل على أن العمل من الإيمان.

  وتدل على أن الشاهد هو الحاضر دون من مات؛ لأنه لو كان الرسول يشهد على من مضى ومن يأتي بعد لم يكن لقوله: {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} معنى، ويؤكده قوله: {وكنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِم} عن أبي علي والقاضي، وقيل: يجوز أن يشهدوا وإن لم يحضروا إذا علم بخبر صادق.

  وتدل على جواز النسخ في الشرع.

  وتدل على أن هذه الأمة تشهد يوم القيامة، وإنما يشهد أهل كل عصر بما عاين.

  ويدل قوله: «رَءُوفٌ رَحِيمٌ» على أنه منعم بتحويل القبلة.