التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}

صفحة 626 - الجزء 1

  نعاملكم معاملة المختبر الذي كأنه لا يعلم، والعدل يوجب ذلك، عن أبي بكر أحمد بن علي. «مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ» أي يؤمن به، ويتبعه في شرائعه «مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ» فيه قولان:

  أحدهما: أن قومًا ارتدوا عن الإسلام لما حولت القبلة جهلاً منهم بما فيه من وجه الحكمة، ومعنى «مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ» أنه يكفر بِاللَّهِ ورسوله، فجعل الانقلاب على العقبين قائمًا مقام ذكر كفرهم، فهو كناية عن الردة، عن أبي علي وأبي القاسم، وذكر ابن جريج أن ناسًا رجعوا ممن أسلم، وقالوا: ههنا مرة، وههنا مرة.

  الثاني: المراد به كل مقيم على كفر؛ لأن جهة الاستقامة إقبال، وخلافها إدبار؛ ولذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر.

  «وِإنْ كَانَتْ» قيل: الضمير يعود إلى القبلة، يعني: وإن كانت القبلة كبيرة، عن أبي العالية، وقيل: إلى التحويل ومفارقة القبلة الأولى، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي مسلم، وقيل: إلى الصلاة، عن ابن زيد «لَكبِيرَةً» قيل: ثقيلة، يعني التحويلة إلى بيت المقدس؛ لأن العرب لم تكن قبلة أحب إليهم من الكعبة، وقيل: معناه: عظيمة على من يعرف ما فيها من وجوه الحكمة «إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه» قيل: المؤمنين، عن ابن عباس وأبي علي. وقيل: ثقيلة على أهل الكتاب إلا من آمن منهم، عن أبي مسلم. وقيل: إلا على الَّذِينَ هداهم لذلك، فلا يعظم عليهم، يعني إلى المعرفة لما فيه من المصلحة، وقيل: هداهم لمعرفة الناسخ من المنسوخ، عن الأصم.

  ويُقال: لم خص المؤمنين بأنه هداهم، وقد هدى جميع الخلق؟

  قلنا: لأنه ذكرهم على طريق المدح، فخصهم بذلك، وقيل: أراد به الاهتداء، وقيل: لأنهم الَّذِينَ انتفعوا بهدى اللَّه، فغيرهم كأنه لم يعتد بهم. «وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ» قيل: صلاتكم إلى بيت المقدس، وقيل: إيمانكم عند الأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، يعني تصديقكم بالقبلة الأولى؛ لأنكم كنتم مطيعين له، عن الأصم، وقيل: يحتمل أنه خطاب لأهل الكتاب، والمراد بالإيمان صلاتهم وطاعاتهم قبل البعثة، ثم نسخ، عن أبي مسلم.