التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا 71 ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا 72 وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا 73 وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا 74 قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا 75}

صفحة 4601 - الجزء 6

  (ألم تسمعيه يقول: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا). ثم اختلفوا، فقيل: المراد المرور بها فيرونها، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: يمرون على ظهر النار ليروا ما أعد اللَّه لأهلها فيعظم سرورهم.

  وثالثها: أن المراد ما منكم من أحد إلا وهو على حالة يستحق أن يرد النار بمعاصيه وإنما ينجو الناجي بالتقوى، عن أبي هاشم.

  «كَانَ عَلَى رَبِّكَ» (على) كلمة وجوب أي: كان واجبا على اللَّه ذلك، يعني الجزاء لإيفاء الثواب وانتصاف المظلوم من الظالم، وقيل: ورود النار واجب للوعد به

  «حَتْمًا» أي: واقعاً كائناً لا محالة «مَقْضِيًّا» أي: قضى بأن يكون «ثُمَّ نُنَجّي» نُخَلِّصُ «الَّذِينَ اتَّقَوْا» قيل: اتقوا الشرك، وقيل: الكبائر كلها «وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ» قيل: أراد المشركين، وقيل: أراد كل ظالم وعاصٍ «فِيهَا» في جهنم «جِثِيًّا» قيل: جاثٍ على الركب، وقيل: جميعاً «وَإذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ» يعني مَنْ تقدم ذكرهم من الكفار «آيَاتُنَا» يعني قرئ عليهم القرآن والحجج الدالة على البعث والوعد به «قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَينِ» يعني فريق الكفار وفريق المؤمنين «خَيرٌ مَقَامًا» أي: مجلساً وموضع إقامة «وَأَحْسَنُ نَدِيًّا» أي: مجلساً، وإنما تفاخروا بالمال وزينة الدنيا ولم يتفكروا في العاقبة ورأوا أن من كان ذا حاله في الدنيا فالآخرة له أيضاً، ولا حجة في ذلك، وإنما الكافر يعذب والمؤمن يثاب.

  ثم بيَّن تعالى أن مالهم وما أتوا من أسباب الدنيا لا يغني عنهم شيئاً، فقال سبحانه: «وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ» أي: جماعة، قيل: من هَؤُلَاءِ الكافرين «هُمْ