قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}
  والشطر النصف، والكعبة واقعة بين المسجد في النصف من كل جهة، فكأنه عبارة عن الكعبة، في معنى قول أبي علي. قال القاضي: هو الأصح «الْمَسْجدِ الْحَرَامِ» يعني مسجد مكة، وإنما أمر به لأن القبلة هي الكعبة، والكعبة هي المسجد. واختلفوا فقيل: البيت كله قبلة، وعليه الإجماع، وروي عن بعضهم أن على الناس أن يقصدوا الميزاب، وهو خلاف الإجماع، وقيل: حولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس، وهو يصلي، فتحول، عن قتادة وغيره «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ» يعني أينما كنتم من الأرض في بر أو بحر، سهل أو جبل «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»، وإنما كرر ذلك؛ لأن الأول كان خطابا لمن كان في المدينة، فجاز أن يظن أن ذلك قبلتهم، فَبَيَّنَ تعالى أنه قبلة لجميع المصلين أينما كانوا من مشارق الأرض ومغاربها «وَإنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب» أُعطوا، قيل: أراد اليهود خاصة، والكتاب: التوراة، عن السدي، وقيل: أحبار اليهود وعلماء النصارى، وهو الصحيح، لعموم اللفظ، والكتاب: التوراة والإنجيل، ولا بد أن يكونوا عددًا قليلاً؛ لأن الكثير لا يجوز عليهم التواطؤ على الكتمان، «لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ» قيل: التحويل حق مأمور به، عن أبي علي، وقيل: التوجه إلى الكعبة حق؛ لأنها قبلة إبراهيم والأنبياء قبله، عن الحسن، وقيل: النبي ÷ حق، ودينه حق، وقبلته حق؛ لأنه مذكور فيما تقدم، عن القاضي، وروي أنهم قالوا عند التحويل: ما أمرت بها يا محمد، هذا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك، مرة إلى ههنا، ومرة إلى ههنا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية، وبين أنهم يعلمون خلاف ما يقولون، «وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» من كتمان ذلك، ومخالفة حقك، وإبطال أمرك، وقيل: يعني يعلم أعمالكم ويحفظها لكم، ليجازيكم بها، وفيه وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين.
  · الأحكام: الآية تدل على أن اللَّه تعالى راءٍ للأشياء، وحقيقته إدراك المرئي، وحمله على العلم خلاف الظاهر على ما تزعمه البغدادية.