قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}
  المقدس لا باختياره، والصحيح أنه كان وعد التحويل، وكان لا يحب من تلقاء نفسه؛ لأنه يعلم أن المصلحة ما يأمره به ربه، وأن ما تميل إليه الطباع لا يكون مصلحة، فحاشاه أن يتبع ذلك، وإذا سأل فلا بد أن يسأل بإذن؛ لأنه إذا سأل بغير إذن فربما تكون المصلحة في خلافه، فإذا رد كان فيه تنفير، وقد سأل ما فيه مفسدة، فما يحبه يحبه بأمر اللَّه تعالى، وما يسأله يسأله بإذنه، وقد قال تعالى: {وَمَا ينَطِقُ عَنِ الهَوَىَ} وهذا ينفي أن يسأله بغير الوحي.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أمر القبلة «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ» يا محمد «فِي السَّمَاءِ» قيل:
  لانتظار الموعود، وقيل: لانتظار الوحي في أمر القبلة، وإنما قلب طرفه نحو السماء لأن جبريل # يأتيه بالوحي من السماء، وقد قال بعضهم: أنه منع عن استقبال بيت المقدس، ولم تُعَيّن له القبلة، فضاق صدره أن يرد وقت الصلاة ولم تظهر القبلة، فكان يقلب وجهه نحو السماء، وليس بالوجيه؛ لأنه لا يجوز أن يؤمر بالصلاة إلا مع بيان موضع التوجه، «فَلَنُوَلِّيَنَّكَ» لنحولنك «قِبْلَةً تَرْضَاهَا» تريدها وتحبها، وقيل: قبلة وأنت راض بكل وجهة تؤمر بها، عن الأصم.
  ويقال: لماذا أحب التحويل، وكره ما كان عليه؟
  قلنا: قيل: فيه مخالفة لليهود، وتميز منهم، عن مجاهد وابن زيد، وقيل: لأنه قبلة إبراهيم #، عن ابن عباس. وقيل: لاستدعاء العرب للإيمان؛ إذ هو موافق لقومه، حكاه الزجاج. وقيل: لأنه وُعِد ذلك فعلم أنه المصلحة فأحبه لذلك، وهو الصحيح، ويحتمل أنه أحب جميع ذلك؛ إذ لا تنافي فيه. «فَوَلِّ وَجْهَكَ» يعني فول نفسك، ووجه الشيء: نَفْسُهُ، وقيل: ذكر الوجه لأنه به يظهر التوجه، «شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»، قيل: نحو المسجد الحرام، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأكثر أهل العلم، وقيل: وسط المسجد الحرام؛ لأنه من سائر جنباته هو النصف