قوله تعالى: {يابني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى 80 كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى 81 وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى 82 وما أعجلك عن قومك ياموسى 83 قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى 84 قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري 85}
  قلنا: أُمِرَ أن يحضر ويحضرهم، ولم يُنْهَ عن التقدم، فأدّى اجتهاده إلى أن التقدم أقرب إلى رضاه.
  ومتى قيل: فلِمَ قال: {وَمَا أَعْجَلَكَ}؟
  قلنا: لم يؤذن له في التقدم فعاتبه، وقيل: سأله عن سبب تقدمه لا أنه عاتبه وليس هذا سؤال استفهام.
  «قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ» يعني امتحناهم وشددنا عليهم التكليف بما حدث في بني إسرائيل من أمر العجل، وألزمنا عند ذلك النظر ليعلموا أنه ليس بإله وأن اللَّه ليس بصفة الأجسام كما قال سبحانه: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢}[العنكبوت: ٢، ١]. «وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ» يعني دعاهم إلى الضلال فضلوا عند دعائه، فأضاف الضلال إليه، قيل: كانوا ستمائة ألف آمنوا بالعجل غير اثني عشر ألف وعبدوه، والعجب منهم لما رأوا تلك الآيات الباهرة وصحبوا النبي هارون ثم لم يرسخ في قلوبهم الإيمان حتى قالوا مرة: اجعل لنا إلهاً، ومرة عبدوا العجل، وأعجب أنهم رأوا جسماً يتحرك ويسكن ثم عبدوه ولا يكلمهم ولا ينفعهم ولا يضرهم، وأعجب من ذلك أن العجل صنع [في] ساعة، ورأوه وأحبوه وإنما أُتي القوم بقلة التأمل والتفكر.