التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون 150}

صفحة 641 - الجزء 1

  ويقال: لم كررت هذه الآية؟

  قلنا: فيه أربعة أقوال: قيل: لأنه لنسخ فرضٍ قبله فكان موضع التأكيد، فأكده لينصرف الناس إليه، وقيلِ: إنه مقدم لما يأتي بعده ويتصل به كقولك: زيد عالم كريم، وقيل: بالأول نَسَخ بيت المقدس، وبالثاني بَيَّنَ أن القبلة هي الكعبة أينما كانوا، وقيل: بَيَّنَ في الثاني حال السفر، وفي الأول حال الحضَر.

  · الأحكام: الآية تدل على وجوب التمسك بالقبلة حيث كان وأنه الحق المأمور به.

  وتدل على أن الغفلة والنسيان لا يجوز على اللَّه تعالى؛ لأنه عالم لذاته لم يزل ولا يزال، ولا خلاف بين الأمة أن التوجه إلى الكعبة من شرائط الصلاة، وقد دلت الآية عليه وعلم من دين النبي ÷ ضرورة حتى يكفر جاحدها، ولا خلاف أن فرض المشاهِدِ العَيْنُ للآية، فأما الغائب فقيل: فَرْضُهُ الجهةُ، عن أبي الحسن وأبي بكر الرازي.

  وقيل: فرضه العين، عن أبي عبد اللَّه الجرجاني، والأول الوجه؛ لأنه غير قادر على إصابة العين، فكان فرضه ما قدر عليه، وأبو عبد اللَّه الجرجاني يقول: الاستيفاء يجب لحرمة البقعة، فإن اشتبهت تحرى واجتهد، ولا خلاف فيه، فإن تبين أنها خطأ وهو في الصلاة استدار، وإن تبين بعد الفراغ فلا إعادة عليه عند علمائنا، وقال الشافعي: عليه الإعادة، وإن كان بحضرته من يسأله لم يجز له أن يجتهد، وكان بمنزلة النص في الأحكام.

  فأما إذا اجتهد بمكة ثم بانَ له أنه أخطأ فذكر أبو بكر الرازي أنه يعيد؛ لأنه انتقل من اجتهاد إلى يقين، وقال محمد فيما رواه ابن رستم: لا يعيد، وهو الأقيس، فإن أدى اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها فصلاته فاسدة سواء علم أنه أصاب أو أخطأ، قال أبو يوسف: إذا أصاب القبلة قصلاته تامة.

قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٥٠}