التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون 151}

صفحة 649 - الجزء 1

  · المعنى: لما ذكر تعالى إتمام نعمه بالقبلة والهداية عقبه بذكر الرسول؛ إذ هو من أعظم النعم، فقال تعالى: «كمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ» هو خطاب للعرب «رَسُولاً» يعني محمدًا ÷ «مِنْكُمْ» نسبًا؛ لأنه من العرب، ووجه النعم عليهم بكونه من العرب ما لهم به من الشرف والذكر، ولأنه لو كان من العجم لكان العرب لا تتبعه، ففي ذلك لطف لهم في باب الدين، ولأنه أقرب إلى الأفهام {يَتْلُو عَلَيكُمْ} يقرأ عليكم معاشِرَ العرب «آيَاتِنَا» قيل: الحجج، وقيل: القرآن وما فيه من الأوامر والزواجر، وهو من أعظَم النعم «وَيُزَكِّيكُمْ» قيل: يدعوكم إلى ما إذا تمسكتم به صرتم أزكياء، وقيل: يزكيكم بالثناء والمدح أي يعلم ما أنتم فينسبكم إلى ذلك، ومعنى يزكيكم قيل: يطهركم، وقيل: يكثركم اللَّه به ويؤلف بين قلوبكم ويقربكم من الزكاة التي هي النماء، عن أبي مسلم {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكتَابَ وَالْحِكْمَةَ} قيل: هو القرآن، وجمع بين هذه الأوصاف لاختلاف المعنى، والآية: الحجة، والكتاب: المكتوب، والحكمة: ما فيه من إعلام الدين وشعائره فليس بتكرار، وقيل: يتلو مضاف إلى الرسول والمراد به الأداء «وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ» معاني الكتاب وما يشتمل عليه، «وَالْحِكْمَةَ» السنة وما لا يُعْلَمُ إلا من جهته من الأحكام، وقيل: يتلو ما ليس فيه كتاب من أصول التوحيد والعدل «وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ» أي الشرائع، «ويُعَلّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» من أخبار الأمم «وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» قيل: لم يكن لهم كتاب ولا عِلم فعلمهم ذلك، وذلك من أعظم النعم وإن كان غيرهم يشاركهم في ذلك فيما يتصل بالدين، وقيل:

  يعلمكم الشرائع، وقيل: أخبار الأمم، وقيل جميع ذلك.

  · الأحكام: الآية تدل على أمور:

  منها: كمال نعمته بالرسول حيث أرسله من أشرف بيت، ومن حيث يتلو الكتاب حالاً بعد حال، ومن حيث يعلم الأحكام والسنن.

  ومنها: تدل على فضيلة العلم.