قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون 151}
  قلنا: فيه أربعة أقوال:
  الأول: الفعل الذي قبله وهو قوله: «وَلأتُمَّ نِعْمَتِي عَلَيكُمْ» «كمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً» عن الزجاج والفراء وأبي علي.
  الثاني: أن إبراهيم دعا الله أن يبعث فيهم رسولاً منهم يبين لهم الشرائع ويهديهم، فأجاب تعالى دعاءه فقال: لأنعم نعمتي ببيان الشرائع وأهديكم إلى الدين إجابة لدعوته «كمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً»، عن ابن جرير.
  الثالث: الفعل الذي بعده وهو «فَاذْكُرُونِي» تقديره: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولاً أذكركم، عن الحسن وابن نجيح ومجاهد.
  الرابع: أنه يرجع إلى قوله: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا» تقديره: كما أرسلنا فيكم رسولاً جعلناكم أمة وسطًا، أو كما جعلناكم أمة وسطًا أرسلنا فيكم، قال القاضي: والأول أولى؛ لأنه إذا وجد ما يتم به الكلام قبله من غير فصل فتعلقه به أولى.
  ويقال: أَيُّ كاف في قوله: «كَمَا»؟
  قلنا: كاف التشبيه، وفي وجه التشبيه قولان:
  أحدهما: أن النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة؛ لأنه تعالى يفعل الأصلح.
  الثاني: أن الذكر المأمور به كالنعمة بالرسالة فيما ينبغي أن يكون عليه من المنزلة في العظم، والإخلاص لله يعظم النعم.
  ويُقال: «كما»، هل يجوز أن يكون جوابًا؟
  قلنا: نعم عند الفراء، وجعل لـ «اذكروني» جوابين: أحدهما: كما، والثاني:
  أذكركم، ووجه ذلك أنه وجب عليهم الذكر ليذكرهم اللَّه برحمته، ولما سلف من نعمته، أَشْبَهَ من هذا الوجه الجوابَ؛ لأنه يجب الثاني فيه بوجوب الأول.
  ويقال: أَيُّ (ما) في قوله: «كما»؟
  قلنا: (ما) المصدر، كأنه قيل: كإرسالنا فيكم، ويحتمل أن تكون كافة.