التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون 41 قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون 42 أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون 43 بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون 44 قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون 45}

صفحة 4827 - الجزء 7

  يريد الرحمن إحلاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة «بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ» يعني ما يلتفتون إلى شيء من الحجج والمواعظ؛ بل هم معرضون، وقيل: مَوَاعِظِهِ وزواجره «أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا» أي: ألهم آلهة تمنعهم من عذاب اللَّه وبأسه إذا نزل بهم، فيه معنى التوبيخ والنهي، يعني هَؤُلَاءِ الأصنام التي اتخذوها لا تمنعهم من عذاب اللَّه ولا يقدرون عليها، فهلا عبدوا القادر على النفع والضر.

  ثم بَيَّنَ وصف ما اتخذوها آلهة فقال سبحانه: «لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ» يعني الأوثان لا يقدرون على نصر أنفسهم فكيف ينصرون من عبدها «وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ» قيل: ولا الكفار منا يجارون، عن ابن عباس. والعرب تقول: لك من فلان صاحب أي يجيرك، وروي عنه يمنعون، وقيل: ينصرون ويحفظون، عن مجاهد. وقيل: لا يصحبون من اللَّه خير، عن قتادة. وقيل: لا يصحبهم صاحب يمنعهم منا، وقيل: لا يصحبهم اللَّه ولا ينصرهم «بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ» الكفار «وَآبَاءَهُمْ» في الدنيا بما أنعم عليهم من نعم الدنيا وطول الإمهال «حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» فغرهم شيئان: طول العمر وأسباب الدنيا وإمهال اللَّه إياهم حتى أتوا ما أتوا، «أَفَلَا يَرَوْنَ» يعني ينبغي ألا يغتروا بالدنيا؛ فإنها إلى زوال، ويجب أن يعتبروا بمن مضى من الأمم الخالية كيف أتتهم المنية، فقال سبحانه: «أَفَلَا يَرَوْنَ» هَؤُلَاءِ الكفار «أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِن أَطْرَافِهَا» قيل: بخرابها، عن أبي علي. وقيل: بموت أهلها، وقيل: بهلاكهم ونقصان أموالهم، وقيل: بموت العلماء، وقيل: بإهلاك الظَّلَمَةِ وخراب دورهم