التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن ياويلنا إنا كنا ظالمين 46 ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين 47 ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين 48 الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون 49 وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون 50}

صفحة 4835 - الجزء 7

  ذلك مما يدعو إلى مكارم الأخلاق، وينهى عن سَفْسَافِها «أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ» قيل: جاحدون مع كونه معجزاً.

  · الأحكام: يدل قوله: {يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أنهم أُتُوا في استحقاق العقاب من قِبَلِ أنفسهم، وأنه تعالى لم يخلقهم للعذاب، ولا خلق فيهم الكفر الموجب للعذاب.

  ويدل قوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ} على إثبات الميزان، والرواية مشهورة، فلا معنى للعدول عن الظاهر، ولا مانع منه، ثم الأعمال لا تصح أن توزن؛ لأنها أعراض تلاشت، فإما أن توزن الصحف، أو تظهر علامات تُعلم أهل الجمع مقادير استحقاق الجزاء.

  ويدل قوله: {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ؛ لأن عندهم أنه خلق فيهم الكفر والقدرة الموجبة للكفر، وأراد منهم الكفر، ومنعهم من الإيمان، ثم عاقبهم على ذلك، وأَيُّ ظلم أعظم من هذا، وقد نزه اللَّه سبحانه عن ذلك نفسه.

  ويدل قوله: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} على صحة قولنا في العدل، فأما عندهم إذا جاز تعذيب الأنبياء وإثابة الفراعنة فيبطل مثل الجبال من طاعاتهم.