التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين 51 إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون 52 قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين 53 قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين 54 قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين 55}

صفحة 4837 - الجزء 7

  · الإعراب: «إِبْرَاهِيمَ» [موضعه] نصب ب «آتينا».

  «رُشْدَهُ» نصب؛ لأنه المفعول الثاني، تقول: أعطيت زيداً درهماً، والهاء في محل الخفض؛ لأنه مضاف إليه.

  · المعنى: ثم عطف على ما تقدم من قصة موسى وهارون بقصة إبراهيم # فقال سبحانه: «وَلَقَدْ آتَينَا» أعطينا «إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ» قيل: النبوة، وقيل: التوفيق واللطف حتى اهتدى وناظر قومه، ودعاهم إلى عبادة اللَّه تعالى، ونهاهم عن عبادة غيره، وقيل: الحجة التي احتج بها على قومه من أدلة التوحيد والعدل، وقيل: هداه صغيرًا، عن مجاهد. وقيل: رشده: الإيمان والمراد اللطف والهداية، وإلا فنفس الإيمان فعل إبراهيم لذلك استحق المدح والثواب، وقيل: هداه، كقوله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأنعام: ٧٥].

  ومتى قيل: هلا قلتم: إن الرشد الإيمان، بأن خلق فيه ذلك كما يقوله أهل الجبر؟ قلنا: لأنه ثبت بالدليل أن الإيمان فِعْلُ العبد ليس بخلق اللَّه تعالى؛ لأنه أمره به ووعده عليه وأوعده على تركه، ولأنه يحصل بحسب فعل العبد، وينتفي بحسب كراهته، ولأنه مثاب عليه، ولأنه يدعو إليه الرسل، وكل ذلك يبين أنه فعل العبد، وقد أضافه تعالى إلى إبراهيم وإلى نفسه، فأضافه إليه لأنه بأمره وهدايته ومعونته ولطفه وقد أضافه إلى إبراهيم لأنه فعله، وهو المتمسك به، وإن حمل على النبوة