التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين 153}

صفحة 653 - الجزء 1

  · الإعراب: «الَّذِينَ» موضعه رفع لا يجوز غير ذلك عند النحويين إلا المازني، فإنه أجاز يا أيها الرجل، قيل: بالنصب، والعامل فيه ما يعمل في صفة المنادى عند سائر النحويين إلا الأخفش، فإنه يجعله صلة لـ (أيٍّ) ولرفعه؛ لأنه خبر ابتداء محذوف، وتقديره:

  يأمرهم الَّذِينَ آمنوا، إلا أنه لا يظهر المحذوف مع (أيّ) وإنما حمله على ذلك لزوم البيان له فقال: الصلة تلزم والصفة لا تلزم، قال علي بن عيسى: والأوجه عندي أن يكون صفة بمنزلة الصلة في اللزوم.

  ويُقال: لم لزمت «أيَّ» هاءٌ في النداء؟

  قلنا: لأن الغرض بحرف التنبيه وقع في موضع التنبيه، فلزم.

  · المعنى: لما أوجب اللَّه تعالى العبادات بقوله: «فَاذْكُرُونِي» والشكر على النعم بقوله: «وَاشْكُرُوا لِي» عقبه بذكر المعونة عليهما فقال تعالى: «يَا أَيها الَّذِينَ آمَنُوا» خطاب للمسلمين «اسْتَعِينُوا» اطلبوا المعونة «بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ» وإنما خصهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات، أما الصبر فهو قَصْرُ النفس على احتمال المكاره في ذات اللَّه تعالى، وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع، ومن ذلل نفسه وقلبه هذا التذليل يسهل عليه فعل الطاعات وتحمل مشاقّ العبادات وتجنب المحظورات، وأما الصلاة فَلِمَا فيها من الخشوع والتذلل للمعبود وقراءة القرآن وما فيها من المواعظ والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، فعند ذلك يسهل عليه فعل الطاعة، وقيل: أراد بالصبر الصوم، عن مجاهد.

  ويقال: استعينوا بهما على ماذا؟

  قلنا: على سائر الطاعات، وقيل: على الجهاد.

  «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» قيل: بالمعونة والنصرة، عن أبي علي، كما يقال:

  السلطان معك، وقيل: معهم بالتوفيق والتسديد أي يزيدكم تسديدًا. وتوفيقًا، فيسهل