قوله تعالى: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم 76 ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين 77 وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين 78 ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين 79 وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون 80}
  وتدل على أن داود وسليمان اجتهدا، لذلك قال: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ولو كان العمل بالنص وأحدهما منسوخ لما كانا حكماً وعلماً؛ بل كان الناسخ كذلك، فيدل على أن للنبي أن يجتهد؛ لأن الأحكام تتبع المصلحة، ولأن رأي النبي أفضل من رأي غيره، فإذا جاز أن يتعبد الغير بالاجتهاد فالنبي أولى، ولأنه إذا جاز أن يتعبد بالاجتهاد في الحروب جاز في الديانات.
  ومتى قيل: إذا قدر على العلم فكيف يجوز أن يقتصر على غالب الظن والواجب على الحكيم أن يختار أعلى البيانين؟
  قلنا: هذا ينتقض بغير نبي، وبعدُ فإذا علم أن المصلحة في ذلك جاز أن يقتصر عليه، وهذا كما جاز ورود الآي المتشابهة وإن قدر على جعلها محكماً للمصلحة، وبعد فإذا جاز أن يتعبدنا بأخبار الآحاد وبالظن في قيم المتلفات وأروش الجنايات، وبالعلم المكتسب كذلك هذا.
  ومتى قيل: إذا كان حبهم داود واجتهاده قبل حكم سليمان فكان يجب أن يكون هو النافذ؟
  قلنا: داود اجتهد ولم ينفذ الحكم، وكان أوشك على أن يحكم، فلما رأى سليمان رأيًا أراه وجه اجتهاده فرآه أولى فرجع إليه.
  ومتى قيل: كيف يقولون: إنه كان اجتهاداً، واللَّه تعالى يقول: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} وذلك يوجب النص؟
  قلنا: فهمه طريقة الاجتهاد، فكان ما اجتهد داود صواباً؛ لكن كان ما اجتهد