التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين 81 ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين 82 وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين 83 فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين 84 وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين 85 وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين 86}

صفحة 4868 - الجزء 7

  قلنا: يحتمل أن فيهم مؤمنين أطاعوا بالأمر، وفيهم كفار قهرهم بجنوده من الملائكة. وغيرهم.

  «وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ» قيل: كنا حافظين للجن لئلا يخرجوا عن أمره، عن أبي مسلم. وقيل: يحفظهم بالملائكة منعاً من الإفساد، وقيل: شغلهم سليمان بالأعمال الشاقة لئلا يفسدوا، فكان ذلك حفظاً منه تعالى حيث كان أمره، وقيل:

  حفظناهم من أن يوسوسوا أحداً، وعلى هذه الوجوه الكناية في قوله: «وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ» ترجع إلى الشياطين، ويحتمل أن ترجع إلى الأنبياء الَّذِينَ تقدم ذكرهم، أي: لما أنعمنا عليهم بالنعم. حفظناهم عن أعدائهم فلم يصلوا إليهم بسوء، ويحتمل أن ترجع إلى داود وسليمان، «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ» أي: دعا ربه لما اشتدت به المحنة وانقرضت أولاده، ونفدت أمواله، ووسوس إليه الشيطان بما ضيق صدره، فدعا ربه وقال: «أَنِّي مَسَّنِيَ» وهو مرض أصابه واتصل به وساوس الشيطان فضاق صدره، فالتجأ إلى اللَّه تعالى في كشف ضره، وما روي أن ذلك المرض فعل الشيطان باطل؛ لأن الشيطان لا يقدر على ذلك، ولأن اللَّه تعالى يعصم رسله عن ذلك، وإنما آذاه بالوسوسة، وما روي أنه سلط عليه الشيطان حتى فعل ما فعل من إماتة أولاده وما أصابه في جسده فباطل؛ لأنه تعالى لا يسلط أعداءه على أوليائه، وقيل: إنما قال أيوب: «مَسَّنِي الضُرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» من لطيف الكنايات في