قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم 19 يصهر به ما في بطونهم والجلود 20 ولهم مقامع من حديد 21 كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق 22 إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير 23 وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد 24}
  · المعنى: لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين بيَّن تعالى ما أعد لكل واحد من الفريقين، فقال سبحانه: «هَذَانِ خَصْمَانِ» أي: جمعان يختصمون: فرقة مؤمنة وفرقة كافرة؛ لأن المؤمنين كلهم فرقة، والكفار كلهم فرقة مع اختلافهم، وكل واحد من الفريقين مخاصم للآخر «اخْتَصَمُوا» تنازعوا «فِي رَبِّهِمْ» قيل: في دينه وأمره، وقيل: في ذاته وصفاته، فالمؤمنون يجمعهم الحق وهو القول بالتوحيد، ونفي التشبيه، ونفي الاثنين، والقول بالتعديل ونفي الجور، والقول بالنبوات، والشرائع والاحتجاج لذلك، والكفار يجمعهم القول بالباطل، ويحتجون لباطلهم.
  ثم بيَّن ما لهم، فقال سبحانه: «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ» قيل: يجعل لهم ثياب من نحاس من نار، وهي أشد مايكون حَمًّا، عن سعيد بن جبير. وقيل: تحيط النار بالكفار فتصير لهم في حكم الثياب لهم لإحاطتها بهم، وقيل: كما تخلع على المؤمن ثياب الجنة تخلع على الكفار ثياب من نار ليزداد عذابهم، كقوله: {أَحَاطَ بِهمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف: ٢٩] وكقوله: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ}[الزمر: ١٦] «يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ» فينفذ إلى أجوافهم فتسلب ما فيها «يُصْهَرُ» يذاب «مَا فِي بُطُونِهِمْ» أي تذيب ما فيه من الكبد والأفئدة والأمعاء أي: تشوى جلودهم فتتساقط «وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ» سياط من حديد يُضربون بها عقوبة لهم «كُلَّمَا أَرَادُوا» الخروج من النار ضربتهم الخزنة بأعمدة الحديد فيردونهم إلى النار، وقيل: يرفعهم زفيرها ولهبها حتى إذا كادوا «أنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا» ضربوا بالمقامع حتى