التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون 156 أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون 157}

صفحة 662 - الجزء 1

  حتى صارت بمنزلة الكلمة الواحدة، قال الفراء والكسائي: لا يجوز إمالة «إنا» مع غير اسم اللَّه تعالى، وإنما وجب ذلك؛ لأن الأصل في الحروف وما يجري مجراها امتناع الإمالة؛ ولذلك لا يجوز إمالة (حتى) و (لكن).

  · اللغة: المصيبة: المضرة الشديدة على النفس، وأصلها من الإصابة، كأنه يصيبها بالنكبة.

  والرجوع: مصير الشيء إلى ما كان، رجعت الدار إلى فلان إذا ملكها ثانيًا، ومنه: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ٨}.

  والصلاة: قيل أصلها الدعاء، وقيل: اللزوم.

  والرحمة: النعمة على المحتاج.

  والاهتداء: إصابة طريق الحق.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الصابرين عقب ذلك بوصفهم، فقال تعالى: «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ» في النفس والمال «قالُوا إِنَّا لِلَّهِ» يعني عبيده وملكه وخلقه «وَإنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ» يعني راجعون، يعني إلى حكمه بالبعث والنشور، وقيل: إلى حيث لا يملك الحكم سواه.

  ويُقال: هذه المصيبة من جهته تعالى أو من جهة العباد؛ لأن في الموضعين تكليفًا، فما كان من قِبَله، فالرضا به والاعتقاد لحسنه، وكونه حكمة ومصلحة، وما كان من غيره فيرجع إليه في الانتصاف له والرضا بالتخلية لما فيه من المصلحة وجميع ذلك يدخل في قوله: «إِنَّا لِلَّهِ»، كأنه يقول في الأول: إنا لله يدبر فينا كيف شاء، وفي الثاني إنا له فينتصف لنا كما يشاء.

  ويُقال: فما فيه مما يدل على الرضا؟

  قلنا: من وجهين: