التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون 156 أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون 157}

صفحة 663 - الجزء 1

  أحدهما: أنه إذا أقر بأنه ربه وهو عدل حُكْمُهُ، وأن ما يفعله فلا راد له، فلا فائدة في الجزع صار رضا.

  وثانيهما: أنه مبالغة في الرضا كما يقول لغيره إذا أصابه شيء: أنا لك.

  ومتى قيل: إذا كان هو الخالق المنعم فلم يكره العبد الرجوع إليه؟

  قلنا: لأنه لا يأمن العقاب، فينبغي أنْ يهتم بأمر آخرته، ويأتي بما كلف، ويهون أمر الدنيا؛ ليحب الرجوع إلى خالقه.

  «أُوْلَئِكَ عَلَيهِمْ» يعني على الصابرين القائلين هذه المقالة «صَلَوَاتٌ» قيل: ثناء ومدح وتعظيم «مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» نعمة عاجلاً وآجلاً، وهذا غاية ما وعد المكلف «وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» قيل: بهذه الطريقة، وقيل: إلى الجنة والثواب، وقيل: لسائر ما لزمهم.

  وقيل: هذه البشارة تتعلق بهذا القول؟

  قلنا: لا؛ لأنه لو قال بلسانه، واعتقد خلافه، أو أتى من الأفعال بما يخالفه لم يستحق البشارة، ولكن يقول بلسانه، ويعتقد بقلبه، ويفعل بجوارحه ما يدل على الرضا والتسليم من ترك الجزع، واعتقاد أن ذلك مصلحة وحكمة.

  · الأحكام: الآية تدل على أن العبد مكلف بهذا القول عند المصيبة؛ لأنه وإن كان خبرًا فالمراد به الأمر.

  ومتى قيل: هل يجب ذلك؟

  قلنا: هو مندوب إليه، وقد يجب عند تهمة الجزع؛ لأن إظهاره كالدلالة على الصبر والرضا.

  وتدل على وجوب الرضا بقضائه، والتسليم له فيما ينزل به.

  ويقال: لم كان هذا القول تعزية عن المصيبة؟