التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم 56 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين 57 والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين 58 ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم 59 ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور 60}

صفحة 4994 - الجزء 7

  · النزول: قيل: نزل قوله: «وَمَنْ عَاقَبَ» الآية في قوم من المشركين لقوا جماعة من المسلمين فقاتلوهم في الأشهر الحرم، فنهاهم المسلمون عن ذلك فأبوا فنصروا عليهم، وقيل: كان ذلك لليلتين بقيتا من المحرم.

  وقيل: إن النبي ÷ عاقب بعض المشركين لما مَثَّلُوا بقوم من أصحابه يوم أحد، ففيه نزلت الآية.

  · المعنى: لما تقدم ذكر القيامة بيَّن أن الملك يومئذ لله، فقال سبحانه: «الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» يعني يوم القيامة لا يملك أحد سواه شيئاً بخلاف الدنيا «يَحْكُمُ بَينَهُمْ» يعني كما يكون الملك له والحكم إليه بين العباد لا يحكم غيره في ذلك اليوم.

  ثم بيّن تعالى حكمه، فقال سبحانه: «فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ»، مُذِلّ يذلهم بذلك، وهو عذاب جهنم «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا» أعاد ذكرهم وإن كانوا قد دخلوا في الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالحات تعظيماً لهم وتفخيماً لشأنهم، يعني فارقوا أوطانهم وأموالهم ابتغاء مرضات اللَّه، «ثُمَّ قُتِلُوا» في الجهاد «أَوْ مَاتُوا» في الغربة «لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا» أي: يعطيهم عطاء حسناً في الجنة، والرزق الحسن ما إذا رآه لا تمتد عينه إلى غيره، ولا يقدر عليه إلا اللَّه، ولذلك قال: «وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» وقيل: