التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم 158}

صفحة 668 - الجزء 1

  عن الأصم، وقال: الحج والعمرة قد يُفْعلان فرضًا، ويفعلان تطوعًا. وقيل: تطوع خيرًا يعني الدين كله وأنواع الطاعات، عن الحسن «فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ» يعني يجازي من أحسن بالحسنى والثواب، وهو عليم بقدر ما استحق، وقيل: شاكر يقبله منه، عليم بما نوى، عن ابن عباس، وقيل: عليم بقدر الجزاء فلا يبخس حقه، وقيل:

  عليم بجميع أحوال العباد يجازيهم بأعمالهم.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الحج والعمرة عبادتان، ولا خلاف في ذلك، ثم اختلفوا في العمرة، فقال بعضهم: سنة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وجماعة من الفقهاء؟ وقال بعضهم: فرض، وهو قول الشافعي، ووقت الحج في ذي الحجة، ووقت العمرة جميع السنة، وأفعال الحج: الإحرام والوقوف بعرفة والمزدلفة والرمي والطواف والسعي، وأفعال العمرة: الإحرام والطواف والسعي.

  وتدل على أن الطواف بين الصفا والمروة وهو السعي عبادة، واتفقوا على ذلك، ويدل عليه أنه علق ذلك بفعل الحج والعمرة، ولا يتعلق بهما إلا نسك، ويدل عليه قوله: «وَمَنْ تَطَوَّعَ»؛ لأنه يستعمل في العبادات، ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: إنه فرض لا يتم الحج دونه، وإن تركه لزمه العود، وهو ركن كالوقوف، وهو قول مالك والشافعي، وروي نحوه عن عائشة والحسن، ومنهم من قال: هو تطوع عن عطاء وأنس، وروي نحوه عن ابن عباس، ومنهم من قال: إنه واجب وليس بركن إن تركه فقام بقضائه يحسن، وإن لم يُعِدْ وأراق دمًا تم حجه، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه، وليس في الظاهر ما يدل على واحد، فوجب الرجوع إلى دليل آخر.

  واستدل بعضهم بالآية أن البداية بالصفا واجب، وظاهرها لا يدل عليه لوجهين:

  أحدهما أن الواو لا يوجب الترتيب، والثاني أنه جمع بينهما فقال: «أَن يطَّوَّفَ بِهِمَا».

  وتدل على أن مشاهدة المنكر لا تمنع من فعل الواجبات والقرب؛ لأنه تعالى جعل الطواف بينهما قربة وإن كان هناك أصنام منصوبة.