التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون 159}

صفحة 670 - الجزء 1

  المنزلة في الكتب، والهدى: الدلائل، والأول: علوم الشرع، والثاني: أدلة العقل، فعم الوعيد في كتمان جميعها «مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ» قيل: في التوراة والإنجيل من صفته ÷ من الأحكام، وقيل: في كتاب أنزله اللَّه، وقيل: أراد بالمنزل الأول ما في كتب المتقدمين، وبالثاني ما في القرآن «أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ» يعني يبعدهم من رحمته «وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» قيل: الملائكة والمؤمنون، عن قتادة والربيع وأبي علي. وقيل: دواب الأرض وهوامها يقولون: مُنِعْنا القطر بمعاصي ابن آدم، عن مجاهد وعكرمة، ولذا عبر عنهم بعبارة ما يعقل؛ لأنه أضيف إليهم فعل ما يعقل فعبر عنهم بعبارتهم كقوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} قيل: كل شيء سوى الثقلين الجن والإنس، عن ابن عباس، وقيل: من آمن به، عن الأصم وأبي مسلم، وقيل: إن أهل النار تلعنهم أيضًا حيث كتموهم الدين، فهو على العموم، وعن ابن مسعود: إذا تلاعن المتلاعنان وقعت اللعنة على المستحق، فإن لم يكن مستحقّ رجعت على اليهود الَّذِينَ كتموا ما أنزل اللَّه، وروي عن ابن عباس أن لهم لعنتين: لعنة اللَّه، ولعنة الخلائق، قال: وذلك إذا وضع الرجل في قبره فيسأل ما دينك ومن ربك فيقول: ما أدري، فيضرب ضربة فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ولا يسمع شيء صوته إلا لعنه، ويقول له الملك: لا دريت، فذلك كنت في الدنيا.

  ومتى قيل: كيف يصح هذا؟ وما روي عن مجاهد وعكرمة؟

  قلنا: لا وجه له إلا أن يحمل على وجهين:

  أحدهما: أنه يكون في الآخرة فتكمل عقولهم حتى لعنوهم.

  والثاني: أنه يحمل على أنه يلهمهم اللعنة، عن القاضي، وفيه تعسف، والصحيح الوجه الأول.

  · الأحكام: الآية تدل على أن كتمان الحق من الكبائر إذا احتيج إلى إظهاره مع سلامة الأحوال لذلك أوجب عليه اللعنة.