قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون 23 فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين 24 إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين 25 قال رب انصرني بما كذبون 26 فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون 27 فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين 28 وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين 29 إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين 30}
  اللَّهُ لأَنزَلَ مَلَائِكَةً» أي: لو شاء اللَّه أن يرسل رسولاً لأرسل ملكاً، وأخطأوا في هذا من وجوه:
  منها: أن الرسول يُرْسَلُ للمصلحة، وَيَظْهَرُ بالمعجزة، ويفضل بالعصمة، ولا اعتبار بالصورة.
  ومنها: أنهم ظنوا أن الملائكة ليست بعبيد لله، وأنهم معظَّمون لا بالطاعة.
  ومنها: أن مَنْ كانت بعثته أصلح، وجبت بعثته.
  ومنها: أن بعثه على خلاف الصورة قد تكون مفسدة؛ لأن الإنسان قد يستنكف من اتباع غير جنسه.
  ومنها: أنهم اعتمدوا في صحة هذا قول آبائهم، والتقليد ليس بحجة.
  «مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ» قيل: بهذا الدين، وقيل: بمثل دعوته، وقيل: بمثله بشرًا أتى برسالة ربه «إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ» أي: جنون «فَتَرَبَّصُوا بِهِ» أي: انتظروا إلى حين، أي: إلى وقت.
  ومتى قيل: كيف نسبوه إلى الجنون مع عقله؟
  قلنا: عناداً وتلبيساً، أي: لجنونه، يقول ما يقول، وقيل: كأنه في طمعه هذا مجنون، فقالوه تشبيهاً.
  واختلفوا في قوله: «فتربصوا بِهِ حَتَّى حِينٍ» قيل: انتظروا حتى يفيق، فإذا أفاق