التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين 31 فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون 32 وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون 33 ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون 34 أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون 35 هيهات هيهات لما توعدون 36 إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين 37 إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين 38 قال رب انصرني بما كذبون 39 قال عما قليل ليصبحن نادمين 40 فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين 41}

صفحة 5050 - الجزء 7

  بعداً لهم من الرحمة، ونظيره اللعنة التي هي إِبْعادٌ من الرحمة، وقيل: أبعدهم اللَّه بعداً، وهذا دعاء، يقال: بُعْداً لهم وسحقًا، ونقيضه: لا تَبْعُدْ، قال الشاعر:

  يقولون لا تَبْعَدْ وهُمْ يَدْفنِوننِي ... وأَيْنَ مكانُ البُعْدِ إلا مكانيا

  · الأحكام: تدل الآيات على أنه بعث الرسول إزاحة للعنة، فلما خالفوا وجبت عليهم الحجة أهلكوا، ولو كان جميع ما فعلوا خلقاً لله تعالى لما كانت عليهم حجة، ولا للبعثة فائدة، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة والإرادة.

  وتدل على مناقضة القوم؛ لأنهم جعلوا اتباع الرسول خسراناً، ولم يجعلوا عبادة الصنم خسراناً، وهي لا تنفع ولا تضر [لأنها] جماد وهم أحياء، ثم اعتَلُّوا بأنه بشر مثلهم فعبدوا جسماً غير حي، ولم يتبعوا الرسول؛ لأنه بشر.

  ويدل قوله: «بالحق» أنه عذبهم بالحق، ولو كان عذبهم على ما خلقه وأراده لم يكن حقًّا.