قوله تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون 76 حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون 77 وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 78 وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون 79 وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون 80}
  ذلك حتى فتحنا عليهم نوعاً آخر من العذاب، قيل: هو دعاء النبي ÷ عليهم بسنين كسني يوسف، فجاعوا حتى أكلوا العِلْهِزَ، عن مجاهد، وقيل: القتل يوم بدر، عن ابن عباس، وقيل: فتحنا عليهم باباً من عذاب جهنم في الآخرة، عن أبي علي، وقيل: ذلك يوم فتح مكة «إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» أي: متحيرون آيسون من كل خير.
  ثم بين أنه المنعم بأنواع النعم التي بها يستحق العبادة، فقال سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ» يعني خلق هذه الحواس ابتداء لا من شيء، وخص هذه الثلاثة لأن الدلائل موقوفة عليها، وينظر ويسمع ويتفكر فيعلم «قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ» يعني قَلَّ شكركم لها، وقيل: هو نفي كما يقال: ما أَقَلَّ عقلك وما أقل حياك، ومعناه: لا تشكرون «وهو الَّذِي ذَرَأَكُمْ» أي: خلقكم «فِي الأَرْضِ وَإلَيهِ» إلى حكمه {تُحْشَرُونَ} أي: تجمعون يوم القيامة «وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ» فيها للتوصل إلى نعيم الآخرة؛ إذ لولا الثواب لما حسن التكليف، «وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ» يعني له تدابيرهما في مجيء أحدهما