التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 161 خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون 162}

صفحة 675 - الجزء 1

  الأول: يلعنهم الناس أجمعون يوم القيامة، عن أبي العالية.

  الثاني: أنه لا يمتنع أحد من لعن الظالمين، فيدخل في ذلك لعن الكافر؛ لأنه ظالم، عن السدي.

  الثالث: أراد به المؤمنين كأنه لم يَعتدَّ بغيرهم، كما يقال: المؤمنون هم الناس، عن قتادة والربيع بن أنس.

  الرابع: المراد به أنهم يستحقون لعن الناس في الدنيا، يعني به الاستحقاق؟

  فلذلك عم الناس، عن أبي علي، وقد روي عن الحسن أنه قال: دخل فيه البر والفاجر، وحمله على الدنيا أولى؛ لأن قوله: «عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ» أراد به في الدنيا، فكذلك المعطوف عليه «خَالِدينَ فِيهَا» أي دائمين بلا نهاية ولا انقطاع (فيها) قيل: في اللعنة، عن أبي العالية وأبي علي وهو الأوجه؛ لأنه جرى له ذكر، وقيل: في العذاب والنار؛ لأنه كالمذكور لشهرته في حال المعذبين، ولأن اللعن إبعاد من الرحمة وإيجاب العقاب له، وإيجابه يكون في النار وفي الدنيا.

  ويقال: إذا حمل اللعنة على أنها في الدنيا فما معنى الخلود فيها؟

  قلنا: فيه قولان:

  الأول: قيل في استحقاق اللعنة، وقيل في العذاب «لاَ يُخَفَّفُ عَنهُمُ الْعَذَابُ» التخفيف في العذاب من ثلاثة أوجه: إذا كان العذاب بالكثرة فتخفيفه بالنقصان، وإذا كان بعظم الموقع فتخفيفه بأن يخف موقعه، وإذا كان بالاتصال فتخفيفه بالانقطاع، والآية تتناول كل ذلك وإن كان الأقرب أنه يتناول النقصان؛ لأن الاتصال مفهوم بخالدين فكأنه قيل: يخلدون في العذاب ولا يخفف عنهم شيء بل الذي ينالهم في الأوقات متشابه.

  ويقال: إذا تصور أحدهم حال غيره في مزيد العقاب كان ذلك كالتخفيف.

  قلنا: لا يكون تخفيفًا؛ لأن أبدانهم مستغرقة بالعذاب فهذا التفاوت لا يؤثر في حالهم، عن القاضي، وقيل: إن كل واحد مدفوع إلى عذاب يظنه أعظم، والأول أصح،