التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم 11 لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين 12 لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون 13 ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم 14 إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم 15}

صفحة 5144 - الجزء 7

  واللعان في الزوجات، بَيَّنَ عِظَمِ أمر الإفك في عائشة، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ» أي: بالكذب على عائشة «عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» أي: جماعة منكم أيها المسلمون «لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ» خطاب لعائشة وقذفكم لها، أي: لا تحسبوا الإفك شرًا لكم «بَلْ هُوَ خَيرٌ لَكُمْ» قيل: لأنه تعالى أظهر براءتها، وأثنى عليها، وبينها في الكتاب، وألزم أصحاب الإفك ما استحقوا من العذاب، وقيل: خطاب لعائشة وصفوان، واختلفوا أي: شيء نفي عنها، وأي شر خير، قيل: غم الإفك وأذاه ليس بِشَرٍّ؛ بل هو خير لظهور البراءة، وقيل: نزول القرآن في شأنها لا تحسبوه ينزل شرًا لها بل هو خير؛ لأنه يتلى في المحاريب إلى يوم القيامة، وقيل: لا تحسبوه شرًا بل هو خير.

  ومتى قيل: إذا كان الإفك معصية، والغم عليه فِعْلَ المقذوف فكيف يستحق العوض عليه؟

  قلنا: سبب الغم الإفك، فلذلك استحق عليه العوض، كمن آذى غيره وغمه، وبالصبر استحق الثواب، وهذا كان خيرًا لها، وعظم أمر هذا الغم عند