التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال 36 رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار 37 ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب 38 والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب 39 أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور 40}

صفحة 5213 - الجزء 7

  فيه من الأهوال وهو يوم القيامة، وقيل: تتقلب من حالة إلى حالة، بأن تحرق مرة وتنضج أخرى، وتعمى مرة وتبصر أخرى، ويكون ذلك في النار، عن أبي علي، وقيل: يتحير من طمع في الجنة وخوف من النار، وقيل: تقلب وجوههم وأفئدتهم في النار، عن أبي علي، على قولهم: تقلب وجوههم في النار، وقيل: تتقلب عن الكفر والشك، فيعرفون اللَّه ضرورة، وقيل: تقلب الأبصار يمنة ويسرة، من أين تؤتى كتبهم؟ وأين يؤخذ بهم؟. «لِيَجْزِيَهُمُ اللَّه أَحْسنَ مَا عَمِلُوا» يعني: اشتغلوا بذكر اللَّه ليجزيهم اللَّه بما عملوا من الطاعات «وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» ما لم يستحقوه بأعمالهم، «وَاللَّهُ يَرْزُقُ» يعطي «مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ» من غير قَدْرٍ ولا وزن، وقيل: بلا محاسبة، وقيل: لا يقتصر على المستحق؛ بل يزيدهم عليه.

  ثم ذكر مَثَلَ الكافر، فقال تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ» قيل: عبادتهم لأصنامهم، وقيل: هو طاعاتهم المحبطة، وقيل: أعمالهم في الدنيا؛ لأن الكافر يحسب فيها نفعاً وعاقبته المضرة، وهكذا حال كل مبتدع {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}⁣[الكهف: ١٠٤]، ثم عاقبتهم للنار. «كَسَرَابٍ» أي: كالشعاع الذي يراه الظمآن فيظنه ماء وقت الزوال «بِقِيعَةٍ» قيل: هي الأرض المستوية، عن ابن عباس. «يَحْسَبُهُ