التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {طسم 1 تلك آيات الكتاب المبين 2 لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين 3 إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين 4 وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين 5 فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون 6 أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم 7 إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 8 وإن ربك لهو العزيز الرحيم 9}

صفحة 5339 - الجزء 7

  · الإعراب: يقال: لِمَ قال: «خاضعين» في الأعناق، وهي مما لا تعقل، ولم يقل: خاضعة، وقال: «فظلت»؟

  قلنا: فيه أقوال:

  أولها: أراد أصحاب الأعناق فحذف المضاف، وإقام المضاف إليه مقامه.

  وثانيها: أراد بالأعناق الرؤساء.

  وثالثها: ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله: «هم» على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث.

  ورابعها: أنها ذكرت بصفة [من] يعقل لما أضيف إليه ما هو متعارف من بني آدم وهو الخضوع كقوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}⁣[يوسف: ٤].

  وخامسها: عبر بالأعناق عن خضع الأبدان، فتقديره: ظلوا خاضعين.

  وسادسها: للتفخيم كقول جرير:

  أَرَى مَرَّ السِّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ

  وسابعها: لرؤوس الآي.

  وثامنها: راعى المعنى وهم الكفار.

  وجزم {نُنَزِّلْ} لأنه جواب الشرط وهو قوله: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ}.

  · النزول: قيل: لما كذب أهل مكة رسول اللَّه ÷ شق ذلك عليه، فأنزل اللَّه سبحانه:

  {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} الآية.

  وعن ابن عباس: نزلت «فَظَلَّتْ» فينا وفي بني أمية، ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم.