قوله تعالى: {قال فأت به إن كنت من الصادقين 31 فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين 32 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 33 قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم 34 يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون 35 قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين 36 يأتوك بكل سحار عليم 37 فجمع السحرة لميقات يوم معلوم 38 وقيل للناس هل أنتم مجتمعون 39 لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين 40 فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين 41 قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين 42}
  فجوابنا: قيل: رأوا الناس اقتدوا به، وقَدَّرُوا أن السحرة يغلبونه، فتزول تلك الفتنة ولعلها لا تزول بالقتل، وقيل: ليبين عذره في قتله للناس ظاهرًا، وقيل: علموا أنه لا يمكنهم قتله.
  «وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ» أي: في مدائن ملكه جامعين للسحرة «يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ» قيل: اجتمع ثمانون ألفاً، وقيل: سبعة عشر ألفاً، وقيل: اثنا عشر ألفاً «فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ» أي: لوقت «يَوْمٍ مَعْلُومٍ» وهو يوم الزينة، وقيل: كان يوم السبت ويوم النيروز، عن ابن عباس. وقيل: كان اجتماعهم بالإسكندرية، عن ابن زيد. «وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ» قيل: لننظر إلى ما يفعله الفريقان، ولِمَنْ تكون الغلبة، وقيل: ليعينوا السحرة إن استعانوا بهم «لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ» لموسى، قيل: أرادوا نتبع السحرة الَّذِينَ جاء بهم فرعون، وقيل: أرادوا بالسحرة موسى وهارون ومن معهما، وإنما قالوه استهزاءً «فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ» يعني أتعطينا أجرًا إن غلبنا هَؤُلَاءِ، فطلبوا منه جُعْلاً، فأجابهم فرعون ف «قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» يعني بزيادة تقريب.
  · الأحكام: تدل الآيات على معجزات لموسى.
  وتدل أن اللَّه تعالى كان أخبره أنه متى ألقاه بحضرة فرعون يصيره ثعباناً لذلك قال: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ} ولذلك ألقى، وكذلك اليد البيضاء لذلك قطع عليه، وقيل: إن فرعون وقومه لما رأوا ذلك خروا على وجوههم لذلك النور، وقيل: إن فرعون انقطع عن الحجة، فموه على قومه بأنه ساحر يريد الملك والمال وإخراجهم، وأراد إغراء العامة به، وهكذا فِعْلُ كل مبطل إذا أعيتهم الشبه عدلوا إلى إغراء العامة بأهل الحق.
  وقوله: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ} من أدل الدليل على عجزه، والعجب من قوم رأوا تلك المعجزات، ثم يتبعوا مثل هذه التمويهات.
  وتدل أن ما قالوه وهذه التمويهات فعلُهم؛ إذ لا يجوز على اللَّه تعالى أن يخلقه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.