التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال فأت به إن كنت من الصادقين 31 فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين 32 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 33 قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم 34 يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون 35 قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين 36 يأتوك بكل سحار عليم 37 فجمع السحرة لميقات يوم معلوم 38 وقيل للناس هل أنتم مجتمعون 39 لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين 40 فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين 41 قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين 42}

صفحة 5353 - الجزء 7

  رأس فرعون بين نابيها، وجعل يقول: مرني بأمرك مرني بما شئت، فناداه فرعون بالذي أرسلك لَمَا أخذتها، فأخذها فعادت عصا كما كان، عن ابن عباس. فقال: هل غيرها؟ «وَنَزَعَ يَدَهُ» قيل: حسر عن ذراعه، وقيل: أخرجها من جيبه، وقيل: من اللباس الذي عليه «فَإِذَا هِيَ بَيضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ» قيل: كانت بيضاء نورها كالشمس في إشراقها، فلما رأى ذلك موه على أهل المجلس فـ «قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ» وهم أشراف الناس «إِنَّ هَذَا» يعني موسى «لَسَاحِرٌ» مموه «عَلِيمٌ» بالسحر «يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ» أيها الملأ «مِنْ أَرْضِكُمْ» قيل: يريد أن يخرجكم ويتغلب على ملككم ونعمكم، وقيل:

  يخرج بني إسرائيل قهرًا وهم عبيدكم «بِسِحْرِهِ» قيل: بوقوع العداوة بينكم، فيحارب بعضكم بعضاً، عن أبي علي. وقيل: بحيلته، وإنما قال: يخرجكم؛ لأن الجلاء من أشد المحن خصوصاً لأصحاب النعم والملك، فأوهم قومه أن موسى جاء بحيلة لطلب الرئاسة «فَمَاذَا تَأْمُرُونَ» في تأديبه، وأراد أن يغري أهل مملكته به، ولو آمنوا لأمنوا ولأقرهم موسى على ما كانوا عليه من النعمة.

  ومتى قيل: كيف يشاور مَنْ يدعي أنه إلهٌ قَوْمَهُ في أمر نفسه وفيما يريد؟

  قلنا: ذهب عليهم ذلك، كما ذهب عليهم أنه جسم مؤلف محتاج، واعتقدوا أنه إله، وقيل: دهاهم أمر عظيم فتحيروا ونسوا ما كانوا عليه، وقيل: كان يدعي أنه إله زمانه لا أنه الخالق.

  ومتى قيل: كيف ذهب عنهم أمر موسى مع ظهور معجزاته؟

  قلنا: موه عليهم أنه سحر، والقوم كانوا جهالاً، لم يفرقوا بين المعجزة والشعبذة.

  «قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ» أي: أخره وأخاه معه هارون، لا تُحْدِثْ في أمرهما شيئاً حتى يأتي السحرة، وقيل: حبسهما.

  ومتى قيل: لم أشاروا بالتأخير أو الحبس دون القتل؟