قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون 52 فأرسل فرعون في المدائن حاشرين 53 إن هؤلاء لشرذمة قليلون 54 وإنهم لنا لغائظون 55 وإنا لجميع حاذرون 56 فأخرجناهم من جنات وعيون 57 وكنوز ومقام كريم 58 كذلك وأورثناها بني إسرائيل 59 فأتبعوهم مشرقين 60 فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون 61 قال كلا إن معي ربي سيهدين 62 فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم 63 وأزلفنا ثم الآخرين 64 وأنجينا موسى ومن معه أجمعين 65 ثم أغرقنا الآخرين 66 إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 67 وإن ربك لهو العزيز الرحيم 68}
  مصر بعد هلاك فرعون، وهو الأقرب «فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ» قيل: لحوقهم مصبحين، وقيل: في وقت شروق الشمس أو ظهورها، وهو أوجه «فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ» أي: تقابلا فرأى بعضهم بعضاً «قَال أَصْحَابُ مُوسَى» ضعفاؤهم «إِنَّا لَمُدْرَكُونَ» أي: يلحقنا فرعون وجنوده، فأجابهم موسى بما قوى به قلوبهم ف «قَالَ كَلَّا» لهم أي: لا يكون كذلك، فلا تظنوا ذلك «إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ» يعني إن اللَّه سيهديني، أي: سيدلني على طريق النجاة منه كما وعدني «فَأَوْحَينَا» إليه «أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ» فيه حَذْفٌ، أي: ضرب «فَانفَلَقَ» انشق، «فَكَان كُلُّ فِرْقٍ» كل قطعة من الماء «كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» أي: الجبل العظيم، قيل: فمر بنو إسرائيل لم يبتل لهم سَرْجٌ ولا لَبَدٌ «وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ» أي: قربنا إلى البحر فرعون وقومه، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: جمعنا، عن أبي عبيدة. وقيل: قربناهم إلى الهلاك والمنية، وقيل: قربنا بما يسرنا لبني إسرائيل من سلوك البحر، فكان سبب هلاك فرعون حيث اقتحموه، وقيل: صار فيها اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق يبس، فقرب بنو إسرائيل، وبقيت الطرق كذلك، فلما قرب فرعون وقومه اقتحموه.
  ومتى قيل: كيف اقتحموا البحر مع عظيم الخطر؟
  قلنا: قد رأى أشياء وسَلِمَ، فظنه مثلها. وقيل: كان على حصان وجبريل على رَمَكَةٍ يتقدمه، واقتحم به البحر، وقيل: طردهم الملائكة إلى البحر، وقيل: لجهلهم وعنادهم لم يتفكروا فيه، وقيل: اللَّه تعالى بلطفه أدخلهم البحر ليهلكوا.
  «الآخَرِينَ» يعني قوم فرعون «وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ»، يعني قوم فرعون «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً» حجة «وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ» اتبعوا الإلف والهوى وتركوا الحجة والدين، قال مقاتل: لم يؤمن من أهل مصر إلا حِزْقِيلُ وآسية «وِإنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» يعني القادر على ما يشاء من تعجيل العقوبة وتأخيرها، الرحيم؛ لأنه لا يعاجل لرحمته لعله يتوب، ولا يعذب بغير ذنب.