التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون 52 فأرسل فرعون في المدائن حاشرين 53 إن هؤلاء لشرذمة قليلون 54 وإنهم لنا لغائظون 55 وإنا لجميع حاذرون 56 فأخرجناهم من جنات وعيون 57 وكنوز ومقام كريم 58 كذلك وأورثناها بني إسرائيل 59 فأتبعوهم مشرقين 60 فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون 61 قال كلا إن معي ربي سيهدين 62 فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم 63 وأزلفنا ثم الآخرين 64 وأنجينا موسى ومن معه أجمعين 65 ثم أغرقنا الآخرين 66 إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 67 وإن ربك لهو العزيز الرحيم 68}

صفحة 5360 - الجزء 7

  «تراءى» تقديره: تراعى: تَفَاعَلَ من رأيت كقولهم: فلما تخاصم الجمعان، إلا أن الياء التي في رأيت انقلبت ألفاً لانفتاح ما قبلها.

  · المعنى: ثم بين تعالى ما جرى بين موسى وفرعون بعد المحاربة حتى هلك فرعون، فقال سبحانه: «وَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى» قيل: أمرناه بالوحي، وقيل: أعلمناه، والوحي: إلقاء المعنى في النفس على وجه يخفى «أَنْ أَسْرِ» أي: سيرهم ليلاً «بِعِبَادِي» يعني بني إسرائيل، وأضافهم إلى نفسه تشريفاً «إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ» يتبعكم فرعون وقومه، فلما علم فرعون بخروجهم أرسل الشرط «فِي المدَائِنِ» أي: مدائن مملكته «حَاشِرِينَ» أي: جامعين لتجمع الناس لمحاربة موسى وأتباعه، فلما اجتمعوا إليه قال لهم: «إِنَّ هَؤُلَاءِ» يعني بني إسرائيل «لَشِرْذِمَةٌ» عصبة وجماعة «قَلِيلُونَ» قيل: كانت الشرذمة ستمائة ألف وسبعين ألفاً، عن ابن مسعود. وعن عمرو بن ميمون: كان أصحاب موسى ستمائة ألف «وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ» يعني يقولون ما يغضبوننا [به]، وهو قولهم: إن لفرعون إلهاً يجب عليه أن يعبده، وقيل: أعداء لمخالفتهم لنا في المدائن وذهابهم بأموالنا «وَإنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ» أي: حذرون حذرنا بالاستعداد بالسلاح والتحرز، «فَأَخْرَجْنَاهُمْ» يعني آل فرعون «مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ» وقيل: سماها كنوزاً؛ لأنها لم تنفق في طاعة اللَّه، عن مجاهد. وقيل: الأموال المخبأة تحت الأرض «وَمَقَامٍ» مجلس «كَرِيمٍ» حسن من يأته يكرم، قيل: هو مجالس الملوك والرؤساء من قومه، وقيل: المنابر، وقيل: خرج فرعون ليهلكهم، وقيل: خرج ليردهم إلى خدمته كما كانوا.

  ومتى قيل: لم قال: «أخرجناهم» والخروج فعلُهم؟

  قلنا: أراد إخراجهم من أموالهم ليورثها بني إسرائيل لا خروجهم الذي هو معصية، وقيل: لأنه بألطافه رغبهم في الخروج ليهلكوا.

  «كَذَلِكَ» أي: كما وصفنا جميع ذلك «وَأَوْرَثْنَاهَا» بهلاكهم «بَنِي إِسْرَائِيلَ» قيل: صارت في أيدي بني إسرائيل أيام داود وغيره، وقال الحسن: رجع بنو إسرائيل إلى