قوله تعالى: {كذبت عاد المرسلين 123 إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون 124 إني لكم رسول أمين 125 فاتقوا الله وأطيعون 126 وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين 127 أتبنون بكل ريع آية تعبثون 128 وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون 129 وإذا بطشتم بطشتم جبارين 130 فاتقوا الله وأطيعون 131 واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون 132 أمدكم بأنعام وبنين 133 وجنات وعيون 134 إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم 135 قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين 136 إن هذا إلا خلق الأولين 137 وما نحن بمعذبين 138 فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين 139 وإن ربك لهو العزيز الرحيم 140}
  تَعْلَمُونَ» من النعم؛ أي: أعطاكم نعمة بعد نعمة كأنه يمد نعمة الصيف بنعمة الشتاء، ونعمة الشتاء بنعمة الصيف، فأمد بترادف النعمة.
  ثُمَّ فصَّل بعض النعم، فقال سبحانه: «أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ» المواشي سمى ذلك نعمة لنعمة في مشيتها ولين «وَبَنِينَ» الأولاد «وَجَنَّاتٍ» بساتين فيها أشجار «وَعُيُونٍ» ينابيع الماء الذي يجري على الأرض حتى تراه العيون «إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ» وهذا كلام جاهل مستخف جواباً لكلام ناصحِ مشفق، يعني يستوي علينا سكوتك ووعظك، فإنا لا نقبل منك «إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ» إذا قرئ بالفتح فالمراد اختلاق الأولين ماتوا ولم ينزل بهم عذاب، عن أبي علي. وإذا قرئ بالضم فمعناه عادة الأولين، عن قتادة. وقيل: عادتهم في ترك القبول من الأنبياء «وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» قيل: بعد الموت، وقيل: في الدنيا والآخرة «فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ» بالريح الذي أرسلنا عليهم «إِنَّ فِي ذَلِكَ» في شأن هود وقومه «لَآيَةً» لعبرة وعظة لمن تدبر فيه «وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» قادر على أخذهم، رحيم بالإمهال وإنجاء من تاب وآمن.
  · الأحكام: يدل قوله: {أَتَبْنُونَ} على كراهية الأبنية المرتفعة المستغنية عنها، وقد وردت السنة بذلك في كراهية الإنفاق في الماء والطين؛ لأن ذلك للعب والزينة لا للحاجة.
  وعن الحسن: دخلت بيوت أزواج النبي ÷ فبلغ يدي سقفها.
  وتدل أن صفة جبار نقصٌ في العباد وإن كان مدحاً لله تعالى؛ لأنه المستحق دونهم.
  وتدل على سبوغ نعمه على الكفار خلاف قول من يقول لا نعمة على الكافر.
  ومتى قيل: لم جمع بين هذه القصص؟
  قلنا: قيل: ليعلم عباده أن أصول الدين واحدة لا تتغير، وإن اختلفت فروعها.
  وقيل: تسلية للنبي ÷ في تكذيب قومه إياه.