التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين 213 وأنذر عشيرتك الأقربين 214 واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين 215 فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون 216 وتوكل على العزيز الرحيم 217 الذي يراك حين تقوم 218 وتقلبك في الساجدين 219 إنه هو السميع العليم 220}

صفحة 5395 - الجزء 7

  وإنما خاطبه ليعلم أن العظيم إذا أُوعِد فَمَنْ دونه أقرب، والثاني: أنه تحذير له ليعلم أن غيره أولى بالتحذير، والثالث: تأكيداً للخطاب بالمواجهة بالشرائع أن يتبعه بأوامره، فأفرده، ومعناه اعبد اللَّهَ مخلصاً له ولا تدع غيره إلهاً تعبده «فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ» يعني إن فعلت ذلك عذبت «وَأَنذِرْ» خوف بعذاب اللَّه، وقيل: خوفهم إذا بقوا على الشرك وادعهم إلى التوحيد «عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قيل: خصهم بالذكر للتعريف أنه لا يغني عنهم من عذاب اللَّه شيئاً إن عصوه؛ لأن العادة جرت بنصرة العشيرة، وقيل: ابدأ بهم في الإنذار ثم بمن يلونهم؛ لأن حسن الترتيب يقتضي ذلك، وقيل: أنذرهم بالإيضاح من غير تلبيس القول كما تدعو إليه معاونة العشيرة، وقيل: خصهم لأنه يمكنه جمعهم وإنذارهم، وقيل: بدأ به ثم بعشيرته تنبيهاً أن من الناصح أن يبدأ بنفسه ثم بعشيرته؛ ليكون الناس إلى القبول منه أقرب «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ» قيل: أَلِنْ جانبك، عن ابن زيد وجماعة. «لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» أي: لمن دان بدينك واتبعك في سنتك، وإنما خص المؤمن؛ لأن فيمن اتبعه منافقين «فَإنْ عَصَوْكَ» فيما تدعوهم إليه، قيل: يعني العشيرة، وقيل: هو عام في الجميع «فقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» من عبادة غير اللَّه ومعاصيه «وَتَوَكَّلْ» أي: فوض أمرك «عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ» قيل: العزيز القادر على كل شيء، وقيل: الذي يمنع من يلوذ به، الرحيم بعباده يكفيك كيد أعدائك «الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ» قيل: في الصلاة، وقيل: أراد القيام بالليل؛ لأنه لا يطلع عليه أحد غيره، وقيل: حين تقوم للإنذار وأداء الرسالة «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» أي: ويرى تقلبك «فِي السَّاجِدِينَ» قيل: تصرفك مع المصلين في الصلاة، عن ابن عباس، وقتادة، ومقاتل، وابن زيد. وقيل: أراد قيامه منفرداً وفي جماعة، وخصه تعظيماً له، وقيل: بل أراد قيامه وسجوده منفرداً على سبيل التواضع، وقيل: تقلبك إبْصَارُك منهم مَنْ هو خلفك كما تبصر منْ هو أمامك، عن مجاهد. وكان يرى مِن خلفه كما يرى أمامه، وقيل: تصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء تفعله من قبلك، والساجدون هم الأنبياء، عن سعيد بن جبير. وقيل: تصرفك في أصحابك، عن الحسن. وقيل: تقلبك من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة،