التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين 8 ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم 9 وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ياموسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون 10 إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم 11 وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين 12 فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين 13 وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين 14}

صفحة 5412 - الجزء 8

  حذف، أي: ألقاها «فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ» تتحرك «كَأَنَّهَا جَانٌّ» قيل: كالجان في اهتزازه، وهي ثعبان في عِظَمِهِ، فهاله أمرها لسرعة حركتها وعظم جسمها، وقيل: كان في ابتداء الإلقاء جانًّا ثم صار ثعبانًا، فكان يربو حالاً بعد حال «وَلَّى مُدْبِرًا» أي: رجع إلى ورائه «وَلَمْ يُعَقِّبْ» أي: لم يرجع، عن قتادة، ومجاهد، وأبي علي. أي: لم يرجع على عقبه، وقيل: لم يلتفت، وقيل: لم يلبث، عن أبي مسلم. قال تعالى: «يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ» يعني إنما يخاف الظَّلَمَةُ إلا من تاب، وقد بينا ما قيل فيه «ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ» قيل: كان مشركًا فتاب، وقيل:

  كان ظالمًا بالمعاصي فتاب، وهو الوجه لعموم الآية «فَإِنِّي غَفُورٌ» لذنوب التوابين «رَحِيمٌ» بهم أدخلهم الجنة «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيبِكَ» قيل: إدخالها جيبه أن يجعل يده على صدره، عن أبي علي. وقيل: جيب مِدْرَعَتِكَ، وقيل: كان عليه جبة صوف، عن ابن مسعود. وقيل: لم يكن لها كُم، وقيل: كان كُمُّهَا إلى بعض اليد، عن مجاهد. فأمره أن يدخل يده جيبه «تَخْرُجْ بَيضاءَ» يعني كالبدر «مِنْ غَيرِ سُوءٍ» أي: من غير بَرَصٍ وآفة «فِي تِسْعِ آيَاتٍ» معجزات ودلائل، هذه آية مع تسع آيات أنه يُرْسلُ بها إلى فرعون وقومه، وقيل: تقديره: مرسلاً في تسع آيات فحذفت، وقيل: معناه «فِي تِسْعِ آيَاتٍ» كقولهم: لي عشر من الإبل، فيها فحلان، أي منها، عن الزجاج. وقيل: الآيات التسع: العصا، واليد، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والبحر، ورفع الطور، وانفجار الحجر بالماء. وقيل بَدَلَ الجبل والبحر: الطوفان والطمس، عن ابن زيد. وقيل بدل الطور وانفجار الماء: السنون ونقص من الثمرات، عن ابن عباس. «إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ» أي: أرسلناك إليهم «إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ» خارجين عن طاعة اللَّه. والإيمان إلى الكفر «فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً» أي: حججنا واضحة بَيِّنةً يبصر بها الصواب من الخطأ، وقيل: يبصر الحق، وأبصرته وبَصرتُهُ بمعنى، كقولك: كفرته وأكفرته، وكَذَبْتُهُ وأكذبته «قَالُوا» يعني: فرعون وقومه «هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ» أي: ظاهر [بَيِّنٌ] «وَجَحَدُوا بِهَا» أي: بالآيات «وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ» أي: علموا يقينًا أنها ليست بسحر،