التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون 171}

صفحة 708 - الجزء 1

  لا يسمع ب {تَعَالَ} وما يجري مجراه من الكلام والبهائم لا تفهم، فشبه الأصنام في أنها لا تفهم بها، فإذا كان لا يشكل أن من دعا بهيمة عد جاهلاً، فمن دعا حجرًا أولى بالذم والجهل، حكاه أبو القاسم وغيره.

  الثالث: ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه الصدى في الجبل وغيره أنه لا يسمع منه إلا دعاء ونداء، وذلك أنه إذا قال: «يا زيد» سمع مِن الصدى «يا زيد»، وليس وراء هذا القول شيء، إلا أنه يخيل أنه يجيبه مجيب، وليس فيه فائدة كذلك يخيل إلى هَؤُلَاءِ المشركين أن دعاءهم الأصنام يستجاب، وليس لذلك حقيقة ولا فيه فائدة، عن أبي زيد.

  الرابع: مثل الَّذِينَ كفروا في قلة تفهمهم وعقلهم كمثل الراعي يكلم البهائم، وهي لا تعقل، وهذا لا يحتاج إلى تقدير محذوف، وعلى الوجوه الأخر لا بد من محذوف.

  ويقال: كم وجهًا في تقدير المحذوف؟

  قلنا: ثلاثة أوجه:

  أولها: مثل الَّذِينَ كفروا في دعائك إياهم كمثل الناعق في دعائه المنعوقَ به.

  الثاني: مثل وعظ الَّذِينَ كفروا كمثل الناعق، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.

  الثالث: مثل الَّذِينَ كفروا في دعائهم الأصنامَ كمثل الناعق في دعائه الأنعام.

  ويُقال: إذا كان مثل الَّذِينَ كفروا مثل المنعوق به وهو مشبه به، فهلا قوبل به؟

  قلنا: قال الفراء والكسائي: إنه مجرى المقلوب، وهو أن توضع كلمة مكان كلمة، قال أبو القاسم: وقع المعنى على المنعوق به واللفظ على الناعق، فكأنه قيل: كمثل الغنم الذي لا تسمع الذي ينعق بها راعيها، وهذا كما يقال: أدخلت القلنسوة الرأس، وإنما هو أدخلت الرأس في القلنسوة، وقيل: لأن الكلام يتضمن تشبيهين: الداعي إلى الإيمان بالراعي، والكفار المدعوين بالأنعام، وأريد الإيجاز، فحذف ما حذف، وبقي ما يدل على ما حذف، فأبقى في الأول ذكر المدعو، وفي الثاني ذكر