التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون 45 قال ياقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون 46 قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون 47 وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون 48 قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون 49 ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون 50 فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين 51 فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون 52 وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون 53}

صفحة 5439 - الجزء 8

  فتوهموا أن صالحًا قتل لما أتاهم العذاب، فاجتمعوا وتقاسموا على قتله وقَتْل من معه من المؤمنين، وقيل: لما مُتِّعُوا ثلاثة أيام خافوا العذاب ودبروا في قتله، أخذهم العذاب، فقالوا عند التحالف: «لَنُبَيِّتَنَّهُ» أي: لنأتينه ليلاً ولنقتلنه «وَأَهْلَهُ» الَّذِينَ معه على دينه، وأصله من البيات، ثم طلبوا عذرًا عند أوليائه؛ لأنه كان فيهم شوكة وعُدَّة، فقالوا: «ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ» لولي دمه «مَا شَهِدْنَا» أي: ما حضرنا «مَهْلِكَ أَهْلِهِ» أي: إهلاكهم، وعلى قراءة عاصم هلاكهم أو موضع هلاكهم «وِإنَّا لَصادِقونَ» في هذا العذر، قيل: لما اجتمعوا وأتوا صالحًا دفعتهم الملائكة بالحجارة، عن ابن إسحاق. وقيل: أخذتهم الصيحة، وأمطرت عليهم الحجارة «وَمَكَرُوا مَكْرًا» أي: دبروا واحتالوا حيلة حتى قصدوا بيت صالح والفتك به، وسمي مكرًا؛ لأنهم احتالوا ذلك سرًّا «وَمَكَرْنَا مَكْرًا» قيل: جازيناهم على مكرهم، فسمي الجزاء على المكر مكرًا، وقيل:

  معناه: دبروا شرًّا وحيلة في أمر صالح، ودبرنا عليهم ما خفي عليهم في أمرهم وأخبرنا صالحا أن عاقبة مكرهم تعود عليهم، وقيل: جازيناهم من حيث لم يشعروا به، وقيل: دبرنا عليهم، فخرج من بينهم، فسمي ذلك مكرًا توسعا، عن أبي علي. «وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ» قيل: لا يعلمون «فَانظُرْ» يا محمد أو أيها السامع «كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ» أي: كيف آل عاقبة مكرهم عليهم، فكذلك نفعل بكفار قومك، وقيل: لِتَعْتَبِرْ أيها السامع بهم «أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ» أي: أهلكناهم، والمراد التسعة، واختلفوا في هلاكهم، قيل: أرسل اللَّه تعالى الملائكة لما دخلوا دار صالح، فدمغتهم بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة، عن ابن عباس، وابن إسحاق. وقيل: خرجوا إلى صالح مسرعين فسلط اللَّه عليهم صخرة فدمغتهم، عن قتادة. وقيل: نزلوا سفح جبل ينظر بعضهم بعضًا ليأتوا صالحًا، ونزلوا حدبًا من الأرض يكمنون فيه فانهارت عليهم، عن السدي. «وَقَوْمَهُمْ» أي: أهلكنا قومهم، قيل: بالصيحة «فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا» يعني: بيوت ثمود، وهي بوادي القرى بين المدينة والشام «خَاوَيةً» خربة خالية «بِمَا ظَلَمُوا»، «إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَةً» لعبرة، قيل: فيما تقدم من القصص، وقيل: في إخلاء ديار ثمود «لِقَوْم يَعْلَمُونَ، وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا» من العذاب، صالح ومن تبعه «وَكَانُوا يَتَّقُونَ» الكفر والمعاصي.