قوله تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون 60 أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون 61 أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون 62 أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون 63 أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 64}
  الذي يجيب دعاءه إذا دعاءه «وَيَكْشِفُ السُّوءَ» أي: الضر والضيق الذي يسوؤه «وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ» أي: يجعلكم خلفاء الأرض وسكانها، يعني: يخلف أهل العصر الثاني أهل العصر الأول، فيهلك قرنًا، وينشئ قرنًا «أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ» أي: أمعبود سواه يقدر على ذلك؟! يعني لا يقدر عليه غيره «قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» أي: لا تتفكرون في هذا «أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ» يدلكم ويرشدكم «فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» إذا سافرتم وحُصِرْتُمْ، والذي يهدي لمصالح الدنيا بما أنعم، ولمصالح الدين بما شرع «وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» بالباء من البشارة، وبالنون متفرقة «بَينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ» أي: أمام المطر وليس للمطر يد، وإنما هو تَوَسع «أَإِلَهٌ [مَعَ اللَّهِ]» غيره يقدر أن يفعل ذلك «تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» أي: جل عن الشريك كما يزعمه المشركون ويصفونه به «أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ» بأن يحدثهم من العدم ابتداء لا على سبيل الاحتذاء «ثُمَّ يُعِيدُهُ» بعد الإفناء للجزاء، يعني: أنه المختص بالقدرة على ابتداء الأجسام وأكثر الأعراض وإعادتها، فكان هو الله المعبود حقًا «وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ» بالمطر «وَالأَرْضِ» بالنبات «أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ» أي: إله سواه يفعل ذلك «قُلْ» يا محمد «هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ» أي: حجتكم «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» في قولكم: أن سواه إله.
  · الأحكام: تدل الآيات على إثبات الصانع وصفاته ونعمه، منها: أنه الإله المستحق للعبادة، فبدأ الخلق بالسماوات وما فيها من العبر، نحو: خَلْقِها ثم رَفْعِها ثم تزيينها بالكواكب، ثم تسيير الكواكب والأفلاك، ثم سكونها، ثم ما فيها للخلق من المنافع، ثم جريان الشمس والقمر وبزيادة القمر ونقصانه، وما يتعلق بهما من الليل والنهار والشهور والأعوام وغير ذلك من الآيات، ثم ثنى بذكر الأرض بما فيها من الدلالة في خلقها، وسكونها، وما فيها من الأنهار الجاريات، والجبال الراسيات التي جعلها خزائن لنعمته، وجعل لهم سبلاً إلى استخراج ما أودعه، ثم ذكر المطر وما فيه من العبر والمنافع، وما ينبت به من الأشجار والنبات والأزهار مع أنه تعالى يسكنه حالاً بعد حال بخلق السكون فيه، على ما قاله أبو علي، وإن كان [على] ما قاله أبو هاشم فإنه يجوز أن يكون جعل في نصفه الأعلى اعتمادًا سفليًّا، وفي نصفه الأسفل اعتمادًا علويًّا، غير أنه في الوجهين هو المسكن بقدرته، ثم ذكر البحر وما فيه من العبرة