التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون 60 أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون 61 أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون 62 أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون 63 أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 64}

صفحة 5446 - الجزء 8

  · الإعراب: يقال: لم قال: {ذَاتَ بَهْجَةٍ} ولم يقل: ذوات، والحدائق جمع؟

  قلنا: على تقدير: كل واحدة ذات حسن، فإذا قيل: ذوات أراد الجميع، يقال:

  نساؤك ذات حسن وذوات حسن على هذا.

  ويقال: بم ينتصب «قليلاً»؟

  قلنا: صفة لحذف، أي: يتذكرون تذكرًا قليلاً، بحذف المصدر، وقيل: نصب على الظرف أي: لا يتذكرون إلا في أوقات قليلة.

  · المعنى: ولما تقدم الأمر بعبادته عقّبه بذكر الدلائل على توحيده المتضمنة لنعمه التي بها يستحق العبادة، فقال سبحانه: «أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» قال أبو حاتم: فيه إضمار، تقديره: آلهتكم خير أم الذي خلق السماوات والأرض «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» يعني: المطر «لَكُمْ» أي: لمنافعكم، قيل: ينزله من السحاب، وقيل: ينزله من السماء، وهو الظاهر، ولا مانع منه «فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ» أي: بالمطر ننبت أشجار بساتين «ذَاتَ بَهْجَةٍ» أي: ذات حُسْنٍ، وقيل: ذات ثمار يأكلها الناس «مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا» (ما) ههنا للنفي، أي: لا تقدرون على إنبات الأشجار «أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ» أي معبود معه يخلق مثل خلقه أوْ يعينه على فعله، هذا استفهام والمراد الإنكار، أي: ليس معه إله بفعل هذا «بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ» بالله غيره لجهلهم، يعني: يسوون، من قولهم: عدل يعدل عدلاً، إذا سوّى بين الشيئين، وقيل: يعدلون عن الحق إلى الشرك. «أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا» أي: مكانًا تستقرون عليه؛ كيلا تميد بكم، وتتصرفون فيه «وَجَعَلَ خِلاَلَهَا» أي: وسطها «أَنْهَارًا» وأجرى فيها المياه، «وَجَعَلَ لَهَا» أي: للأرض «رَوَاسِيَ» أي: جبالاً ثوابت كالأوتاد «وجَعَلَ بَينَ البحْرَيْنِ حَاجِزًا» أي: بين العذب والمالح مانعًا كيلا يختلطا، وقيل: أراد بالحاجز الجزائر الذي ينتفع بها الخلق للأبنية عليها وسكونها «أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ» أي: معبود سواه يقدر على ذلك «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» الحق؛ لأنهم لم يتفكروا فيعلموا المدبر، بل قلدوا متبوعهم.

  «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ» قيل: المضطر: المجهود، عن ابن عباس. وقيل: