التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون 65 بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون 66 وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون 67 لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين 68 قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين 69 ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون 70}

صفحة 5451 - الجزء 8

  لهم بها علم. وقيل: اجتمع علمهم في الآخرة أنها كائنة «بَلْ هُمْ فِي شَكّ» من وقتها وحينها. وقيل: معناه: لو أدرك علمهم في الآخرة ما كانوا في شك منها؛ لكن هم في الدنيا عنها عمون، وقيل: لم يدرك علمهم في الآخرة؛ بل هم منها في شك، وقيل: هذا العلم أدرك العقلاء جميعًا عقلاً وسمعًا؛ لأن العقل يقتضي أن الإهمال قبيح، فلا بد من تكليف، والتكليف يقتضي الجزاء، فإذا لم يكن في الدنيا فلا بد من دار الجزاء، فهذا العلم أدركه العقلاء لو تفكروا ونظروا، وقيل: معناه هلا أدرك علمهم علم الآخرة أم هم في شك؟، وقيل: ادَّارك بمعنى تدارك ماضٍ بمعنى المستقبل كقوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}⁣[الأعراف: ٤٤] أي: سيعلمون في الآخرة ما وعدوا وإن كانوا في شك منها الآن، وقيل: هو خبر عن ثلاث طوائف: طائفة منهم أَقَرَّتْ بالبعث، وطائفة شكَّتْ، وطائفة نَفَتْ «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهِ» من القيامة «بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ» يعني تركوا التدبر والنظر فلم يعرفوا وصاروا كالعُمْي «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» قيل: مشركو مكة «أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا» بعد الموت «وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ» من قبورنا أحياء «لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا» البعث «نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ» أي: من قبل محمد ÷، وليس ذلك بشيء «إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها «قُلْ» يا محمد «سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ» الَّذِينَ كفروا وعصوا الله «وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيهِمْ» أي: على تكذيبهم إياك وإعراضهم عنك فإن وباله يعود عليهم «وَلاَ تَكُن فِي ضَيقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» أي: لا يضيق صدرك بما يدبرون في أمرك، فالله حافظك وناصرك.

  · الأحكام: تدل على أنه تعالى المختص بعلم الغيب، فيبطل قول الإمامية: إن الإمام يعلم الغيب، ويبطل قول الكهنة المنجِّمين.

  وتدل على أنهم أنكروا البعث؛ لأنه غير مشاهد، ولو فكروا لعلموا أن من قدر على انتفاء الأجسام قدر على إعادتها.

  وتدل على أنه تعالى عاقب الأمم عند تكذيبهم الرسل بضروب العقاب، وأن فيها عبرة، لذلك قال: {قُلْ سِيرُوا}.