التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين 71 قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون 72 وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون 73 وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون 74 وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين 75}

صفحة 5453 - الجزء 8

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى قولهم في البعث والجواب عنه، فقال سبحانه: «وَيقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ» يعني: البعث «إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» في ذلك «قُلْ» يا محمد: «عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ» قيل: دنا وقرب لكم، وقيل: تبعكم، وقيل: حصركم، عن ابن عباس. و (عسى) من الله واجب، معناه: أنه قرب منكم سيأتيكم، قيل: هو الأسر والقتل وقد نالهم يوم بدر، وقيل: هو الإنذار عند الموت وشدته وعذاب القبر، عن أبي علي. وقيل: هو القيامة وعذاب النار «بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ» من العذاب «وَإنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ» قيل: بضروب النعم دينًا ودنيا، وقيل: بإمهالهم ليتوبوا، وقيل: بتأخير العذاب المستحق «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ» نعمه «وَإنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ» أي: تخفي قلوبهم «وَمَا يُعْلِنُونَ» أي: يظهرون، يعني: أنه تعالى يعلم سرهم وعلانيتهم ويجازيهم عليها «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» يعني: كل شيء غائب، وقيل: هو أفعال العباد، عن أبي مسلم. وقيل: أسرار الملائكة والجن والإنس. وقيل: ما من غائبة في أجزاء السماوات والأرض، عن أبي علي. «إِلَّا فِي كتَابٍ مُبِينٍ» يعني أنه محفوظ عنده «فِي كِتابٍ» قيل: هو اللوح المحفوظ أي: مثبت فيه «مُبِينٍ» بيّن، وقيل: في كتاب أي: جميع أفعالهم محفوظة عنده، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآيات على جواز تعجيل العقاب المستحق؛ لذلك قال: «بعض»، فأما الجميع فهو يفعل في الآخرة، ولا اعتبار بالكثرة في معرفة الحق؛ لذلك ذم الأكثر.

  وتدل على أن جميع أفعال العباد مكتوبة محفوظة للجزاء.