قوله تعالى: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون 76 وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين 77 إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم 78 فتوكل على الله إنك على الحق المبين 79 إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين 80 وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون 81}
  وقيل: نزل قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ} في قوم من الكفار، علم الله أنهم لا يؤمنون دون جميعهم؛ لأن منهم من أسلم.
  · المعنى: ثم ذكر تعالى من حجته ما يقوي قلبه، وأمره بالتوكل عليه، فقال سبحانه: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ» أي: يخبرهم بالصدق. و أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلفُونَ» قيل: في أمر الأديان ونبينا محمد ÷، وقيل: يخبرهم بسرائر أخبارهم وغوامضها معجزة له لما أطلعه الله تعالى عليها، وقيل: اختلاف فيما بينهم حتى يلعن بعضهم بعضًا كالعنانية والسامرة، وقيل: اختلافهم في المُبَشَّرِ به، فمنهم من قال: هو يوشع، ومنهم من قال: هو منتظر «وَإِنَّهُ» يعني القرآن «لَهُدًى» دلالة على الحق يرشدكم إليه ويهديكم إلى الجنة لمن عمل به «وَرَحْمَة» أي: نعمة «لِلْمُؤْمِنِينَ» خصهم به؛ لأنهم ينتفعون به «إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَينَهُمْ» بين المختلفين في الدين يوم القيامة «بِحُكْمِهِ» الذي لا ظلم فيه، فأشار إلى شيئين: أحدهما: أن الحكم له لا يفوته، فيوصل كل ذي حقه إلى حقه، وثانيها: وَعَدَ المظلوم بالنصرة والانتصار [من] الظالم، [وبقضائه] عن دفع ما يستحقه «وَهُوَ الْعَزِيزُ» أي: القادر على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء «الْعَلِيمُ» بأحوالهم يجازيهم بجنسها، وقيل: العزيز في انتقامه من المبطلين، العليم بالمحق من المختلفين «فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» في أمورك «إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ» أي: الواضح.
  ثم ضرب لهم مثلاً، فقال سبحانه: «إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى» يعني الكفار، شبههم لقلة انتفاعهم بحياتهم، كقوله: {أَوَمَنْ كاَنَ مَيتًا}[الأنعام: ١٢٢]، «وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ» شبههم بالأصم حيث لم يسمعوا ما ينتفعوا به من الحق «إِذَا وَلَّوْا» أعرضوا «مُدْبِرِينَ» معرضين عن الحق «وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ» أي: لا تقدر أن تبصر الأعمى الطريق إذا ضلوا «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ» أي: مستسلمون منقادون، يعني: إنما يسمع الحق من يستمع إليه ويقبله، فجعل قبولهم سماعًا، وترك القبول تركًا للسماع توسعًا، وقيل: مسلمون أنهم يوطنون أنفسهم على القبول خلاف مَنْ يوطن على الرد.