التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين 87 وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون 88 من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون 89 ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون 90 إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين 91 وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين 92 وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون 93}

صفحة 5462 - الجزء 8

  والجَمْدُ معروف، جَمَدَ الماءُ يَجْمُدُ، وسَنَة جَمَاد: قليلة المطر، والجَمَادُ: الأرض لم تمطر، ويقال للبخيل: جَمَاد، والجامدة: الواقفة التي لا تتحرك من ذلك. وكببته لوجهه كبًّا: ألقيته فقلبته، والكَبْكَبَةُ: تدهور الشيء في هُوَّة حتى يستقر.

  · الإعراب: (يومَ) قيل: نصب بمحذوف أي: اذكر يوم، وقيل: نصب على الظرف، وذلك الَّذِي تقدم ذكره لـ (يوم ينفخ) أي: وقوعُ القول عليهم يوم.

  (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) إلا أنه أظهر اسم (الله)، نصب [صُنْعَ]، بما دل عليه ما تقدم من الكلام [وهو]: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} كأنه قيل: صنع الله صنعه الذي أتقن كل شيء، إلا أنه أظهر اسم الله في الثاني؛ لأنه لم يذكره في الأول وإنما دل عليه، وقيل: نصب على المصدر، وقيل: نصب على الإغراء، أي: انظروا صنع الله.

  ويُقال: أين جواب: (يوم ينفخ)؟

  قلنا: فيه وجهان: قيل: مضمر في الواو، وتقديره: وقع القول عليهم يوم ينفخ في الصور، وقيل: محذوف للعلم، كأنه قيل: يوم ينفخ في الصور يفعل به كذا، وقيل: تقديره: إذا نفخ في الصور فزع.

  {دَاخِرينَ} نصب على الحال؛ لأن الإنسان يكون هكذا في هذه الحالة.

  · المعنى: ثم بين تعالى أحوال القيامة، فقال سبحانه: «وَيوْمَ يُنفَخُ» قيل: النافخ إسرافيل بأمر الله «فِي الصُّورِ» قيل: قرن ينفخ فيه شبه بوق، عن مجاهد وأكثر المفسرين. وروي أن النبي ÷ سئل عن الصور فقال: «قرن ينفخ فيه». وقيل: هي ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين، وقيل: الصور: صُوَرُ الخَلْقِ؛ يعني: ينفخ الروح في الصُّوَرِ ويبعثون،