قوله تعالى: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين 87 وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون 88 من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون 89 ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون 90 إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين 91 وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين 92 وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون 93}
  قيل: هو إطباق أبواب النار على أهلها، فيفزعون فزعة عظيمة، وأهل الجنة آمنون، وقيل: من كل فزع في القيامة «وَمَنْ جَاء بِالسَّيِّئَةِ» قيل: بالشرك، عن إبراهيم. وقيل: سائر المعاصي من غير تكفير بتوبة «فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» وقيل: الشرك، عن ابن عباس، والضحاك. وقيل: «فَكُبَّتْ» عن أبي العالية. يعني: يلقون فيها على وجوههم «هَلْ تُجْزَوْنَ» فيه محذوف، أي: وقيل لهم على وجه التوبيخ والذم والتبرؤ من الظلم: «هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي: هل وصل إليكم إلا جزاء أعمالكم. قل يا محمد: «إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَدهِ الْبَلْدَةِ» يعني مكة «الَّذِي حَرَّمَهَا» يعني جعلها حرمًا آمنًا يَحْرُمُ فيها ما يَحِلُّ في غيرها: لا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا يقتص فيها، وقيل: حَرَّمَ الاستخفاف بها وأوجب التعظيم لها «وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ» خلقًا وملكًا «وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» قيل: على دين الإسلام، وقيل: من المنقادين له «وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ» أي: أقرأ عليهم ليتدبروا فيه، ويعلموا كونه معجزة ومعالم دينهم، ويعملوا بأوامره ونواهيه. «فَمَنِ اهْتَدَى» سلك طريقة الهدى بقبول الحق وما جاء فيه «فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ»؛ لأن عاقبة نفعه تعود عليه «وَمَنْ ضَلَّ» عن الدين «فَقُلْ» له: «إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ» يعني: ليس عليّ إلا التخويف. والإعلام، وقد فعلت «وَقُلِ» يا محمد: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» على نعمه «سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ» في دينه، قيل: في الدنيا بما نصب من الأدلة، وقيل: في الآخرة حتى يضطرون إلى المعرفة. قيل: سيريهم الآيات ثم القبول إليهم، وقيل: أراد بالآيات العذاب النازل بهم، وقيل: أشراط الساعة، وقيل: ما نزل بهم يوم بدر «فَتَعْرِفُونَهَا» حينئذ «وَمَا رَبُّكَ بِغافلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» أي: لا يخفى عليه شيء من ذلك فيجازيهم بجميعها.
  · الأحكام: تدل الآية أن عند قرب الحشر ينفخ [في] الصور، وقد جرت العادة بضرب البوق للاجتماع، ففعلوا بهم يومئذ كما اعتادوه في الدنيا، وفيه مصلحة للعباد.
  وتدل على أن جميع الخلق ينقاد بخلاف الدنيا.