التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون 11 وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون 12 فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون 13}

صفحة 5476 - الجزء 8

  «ويبصر» لا يدل، وإنما يدل أنه [إن] وجد المبصر أبصره، والاسم بَصِيرٌ، فإذا ألحقه حرف الإضافة تعدى، نحو: بصرت به.

  والجنابة: البعد، وأصله أن يكون في جانب، ومنه: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ}⁣[النساء: ٣٦] أي: الغريب، وقيل له: جُنبٌ؛ لأنه بجانب من يجاوره في النسب والمنزل، يقال: رجل جُنُبٌ، وقوم جُنُبٌ، وامرأة جُنُبٌ على المصدر، ويقال: رجل جُنُبٌ وجانب، فمن قال للواحد: جُنُبٌ قال: جمعه أجناب، نحو: عُنُقٍ وأعناق، وطيب وأطياب، ومن قال للواحد: جانب، قال في جمعه: جُنَّاب كراكب ورُكَّابٍ، ورجل جُنُبٌ: إذا أجنب من الجنابة، سمي بذلك؛ لأنه تباعد من مكان الصلاة، وأجنب عن الشيء، ويقال: جنبته من ذلك الأمر، واجتنبته، وجنبته إياه.

  الكفيل: الضامن، كفل يَكْفُل كفالة، وأكفلته المال: ضَمَّنْتُهُ إياه، وأكفلنيها: أي اجعلني كافلاً لها.

  والنصح: إخلاص العمل من شائب الفساد، والنصح: نقيض الغش، نصح ينصح نصحًا فهو ناصح، والتوبة النصوح: الخالص، لا يشوبها ما يبطلها.

  · المعنى: ثم ذكر تعالى لطف تدبيره في أمر موسى وتسخير فرعون حتى تولى تربيته حتى رده على أمه، فقال سبحانه: «وَقَالتْ لأختِهِ قُصِّيهِ» يعني أخت موسى، واسمها مريم، «قُصِّيهِ» اتبعي أثر موسى ليعلم خبره «فَبَصُرَتْ» في الكلام اختصار، أي: فذهبت فوجدت آل فرعون أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى «فَبَصُرَتْ بِهِ» وهذا من إعجاز القرآن في إيجاز الكلام الدال على المعنى الكثير، فرأته أخت موسى «عَنْ جُنُبٍ» قيل: عن بُعْدٍ، عن مجاهد. وقيل: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده، عن قتادة. ومعناه: من مكان جنب، وهو الجانب «وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ» يعني: آل فرعون لا يعلمون أنها أخته «وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ» أي: منعناه بالتبغيض إليه، فهو تحريم مَنْعٍ لا تحريم نهي. وقيل: كره إليه ألبان النسوان أجمع والأطعمة أجمع بنفارٍ خُلِقَ فيه. وقيل: كان أَلِفَ لبن أمه،