التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون 11 وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون 12 فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون 13}

صفحة 5477 - الجزء 8

  وكان في لبنها لذة ليس في غيره، فكان لا يمص ثدي غيرها ويبكي، وألقى الله محبته في قلب فرعون، ولشدة محبته وغاية شفقته طلب الرضعاء «الْمَرَاضِعَ» جمع مرضع «مِنْ قَبْلُ» أي: من قبل رده على أمه، وكان يؤتى بمرضع بعد مرضع فلا يقبل ثدي امرأة، فغمهم ذلك، فلما رأت أخت موسى ذلك قالت: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ» يضمنون برضاعه والقيام عليه ويضمونه إليهم، وهي امرأة قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صبيًا ترضعه «وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ» قيل: لموسى. وقيل: لما قالت هذا أخذوها، وقالوا: إنك عرفت هذا الغلام فدلينا على أهل بيته، فقالت: ما أعرفه ولكني قلت: هم للملك ناصحون، عن ابن جريج. وقيل: لأنه قيل لها: من أين قلت: هم له ناصحون؟ قالت: عنيت ناصحون للملك فيه. «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ» أي: رجعناه إليها، فانطلقت وأخبرت أمها، فجاءت إليهم، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها، وسكن بكاؤه، فذلك قوله: «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ»، وقيل: إن فرعون قال لها: كيف ارتضع منك ولم يرضع من غيرك؟ فقالت: لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني، فسر فرعون بذلك. «كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا» أي: لِتُسَرَّ برد موسى عليها، وقرة العين لفظة موضوعة للسرور والاغتباط «وَلاَ تَحْزَنَ» عليه ولا على فراقه «وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» في رده عليها «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» من تحقيق ذلك الوعد ما علمت.

  · الأحكام: الآيات تدل على أشياء: منها وجوب التوكل على الله في جميع أموره ليصلحها، كما فعل بموسى وأمه، فرباه على يد عدوه، وجاء الأمن من موضع المخافة، وذلك منْ لطيف تدبيره.

  وتدل أنها وثقت بوعد الله تعالى، وأنه أنجز وعده عاجلاً، وأن فرعون طلب الرضعاء، وكل ذلك من نعمته تعالى عليها.