التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالت إحداهما ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين 26 قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين 27 قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل 28 فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون 29 فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين 30}

صفحة 5492 - الجزء 8

  يمين الوادي، وقيل: يمين موسى «فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ» قيل: كانت مباركة لكثرة الأشجار والثمار والخير والنعم، وقيل: لأنها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى، وقيل: مباركة في الدين والدنيا «مِنَ الشَّجَرَةِ» يعني كان الكلام مسموعًا من الشجرة؛ لأنه تعالى جعل الشجرة محل الكلام؛ لأن الكلام عرض يجتاج إلى محل، فخلقه الله في الشجرة، فسمعه موسى وعلم بالمعجزات أنه كلامه تعالى، وأما هو تعالى لا يصح أن يكون في محل ولا مكان؛ لأنه ليس بجسم ولا عرض، وهذا كما خلق التسبيح في الحجر في يد النبي صلى الله عليه معجزة له، ولا يقال: الكلام للشجرة؛ لأنها جماد، ولا يصح أن تقول: إني أنا الله، فلم يبق إلا أن الشجرة محل الكلام والمتكلم هو الله تعالى؛ لأن المتكلم هو فاعل الكلام، كما أن الواحد منا متكلم بفعله الكلام، وإن كان اللسان محل الكلام «أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» قيل: الشجرة شجرة خضراء، عن عبد الله. وقيل: عَوْسَجَةٌ، عن قتادة.

  · الأحكام: يدل قوله: {اسْتَأْجِرْهُ} أن الإجارة كانت جائزة في شريعتهم، وكذلك في شريعتنا هي عقد جائز يتم بالإيجاب والقبول، وبذل معلوم ومنفعة معلومة.

  ويدل قبول موسى على أن المسلم يرضى بالقليل في طاعة الله، ولا يتأسف على الكثير في معصيته.

  وتدل على جواز الكسب، واستدل بعض الشافعية بالآية على جواز أن تكون المنافع مهرًا، وهذا لا يصح؛ لأنه قيل: إنه ليس بمهر على ما بينا. قال القاضي: وإذا كان شريعته غير شريعتنا فلا يمكن أن نجعل ذلك دلالة على كيفية النكاح والمهر.

  وتدل على جواز النكاح في شرعهم.

  وتدل على أن موسى صار نبيًا بعد انصرافه من مدين.

  وتدل على حدث الكلام [حيث] أدخل في الشجرة.