قوله تعالى: {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ياموسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين 31 اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين 32 قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون 33 وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون 34 قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون 35}
  ومتى قيل: أليس النبي عندكم لا يجوز أن يُقْتَلَ حتى يؤدي، فكيف سأل؟
  قلنا: علم موسى ذلك، وإنما خاف بعد الأداء.
  «وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا» وأحسن بيانًا، وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه، وقيل: أراد به ألطف مني لسانًا؛ لأن موسى كان فيه حدة «فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا» معينًا «يُصَدِّقُنِي» قيل: هارون على قولي، وقيل: حتى يصدقني فرعون.
  ومتى قيل: كيف علم موسى أن هارون يصلح للرسالة؟ وكيف سأل ربه؟
  فجوابنا: كان معروفًا بالصلاح والأمانة بينهم، وإنما سأل بإذن ربه، وقيل: إنه أخبره تعالى باستصلاحه، وأمره بالسؤال.
  «إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذّبُونِ. قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ» هذه استعارة حسية، والمراد نقويك به ونعينك بمكانه فتضمه إليك، ويقال في المثل: (فلانٌ عَضُدُ فلان)، «وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا» قيل: نقيم لكما حجة بينة لا تتهيأ لفرعون أن يصرفكما «فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» أي: لا يقدرون أن يُوصِلُوا إليكما مكروهًا «بِآيَاتِنَا» أي: لأجل آياتنا «أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ» القاهرون، وهذه الغلبة غير السلطان، والسلطان بالحجة، والغلبة بالقهر، حتى هلك فرعون وملك موسى الأرض.
  · الأحكام: تدل الآيات على معجزات موسى # ونبوته.
  ويدل قوله: {وَلَا تَخَفْ} أن الخوف يجوز على الأنبياء.
  وتدل على أن للنبي أن يسأل ما يتمكن معه من الأداء.
  وتدل على جواز نبيين في عصر واحد، وقد يكون اللطف في نبيين أقوى منه في نبي واحد من طريق العادة.
  ومتى قيل: وعد بأن من اتبعهما لا يصل إليهم مكروه، ثم فعل بالسحرة لما آمنوا ما فعل؟